الأحد 20 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 25-03-2020

الواجب على ا لمسلمين التعاون في استراد القدس

السؤال
الأخ: م. ع. س. من المملكة الأردنية الهاشمية، يسأل ويقول: دائمًا يا سماحة الشيخ نسمع في خطب الجمعة في بلادنا، عن موضوع استرداد القدس الشريف، وبالطبع أنا لست ضد ذلك، ولكن هل من الحق أن نربط بين دخولنا للجنة وإرجاعنا للقدس الشريف. أنا أجد أنه من الأفضل أن نصحح ما في مجتمعنا من أخطاء وفواحش مما يجعلنا أمة قوية تستطيع فتح القدس من جديد، ويقصد بالفواحش مثلاً: خروج النساء سافرات، ترك الصلاة والصيام، ترك صلة الرحم ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، النفاق والنميمة، الاختلاط في كافة مجالات الحياة، الجامعات والعمل وغيرها وغيرها، أليس من الأولى تعميق العقيدة في النفوس أولاً، فنحن دائمًا نحس بالإحباط لدى سماعنا بعض الجمل، مثل: (القدس لن ترجع لكم، وأنتم على هذه الحال) وهل سيحاسبنا الله سبحانه وتعالى يوم القيامة على عدم استرداد القدس، أم على عدم تطبيق شريعتنا السمحاء ؟ أفيدونا، جزاكم الله عن أمة الإسلام كل خير، ولكم مني كل الشكر والتقدير، أدامكم الله ؟
الجواب
لا شك أن استرداد القدس من أيدي اليهود أمر مفترض على المسلمين، نصرًا للمسلمين الذين غلبوا على أمرهم، واستبيحت ديارهم، وحرصًا على إيجاد القدس بين أيدي المسلمين، حتى يعمروها بطاعة الله وما يرضيه سبحانه من الصلاة والقراءة، وأنواع العبادة التي شرعها الله في القدس، ولكن ليس هذا مربوطًا بين دخولنا الجنة وبين فتح القدس، الجنة لها أعمالها، والله شرع لنا أن نعبده وحده، وأن نطيع أوامره، وننتهي عن نواهيه، فمن استقام على دينه أدخله الله الجنة، سواء فتحت القدس وردت على أهلها أم لا، ولكن مسألة القدس متعلقة بولاة الأمور، ولاة أمر المسلمين، فعليهم أن يجاهدوا في سبيل الله، وأن يستردوا القدس إلى المسلمين، وأن ينصروا المستضعفين في فلسطين، هذا واجب على ولاة الأمور، حسب طاقتهم واستطاعتهم؛ لأن هذا من نصر دين الله ومن نصر المظلومين، ومنع الأذى عنهم والظلم لهم، ومن باب رد بلاد المسلمين إليهم، فهذا شيء يتعلق بولاة الأمور من المسلمين، وعليهم قبل ذلك أن يحكموا شريعة الله وأن يستقيموا على دين الله، حتى ينصرهم الله، فهو القائل سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾[محمد: 7] وهو القائل عز وجل: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ﴾[الحج: 40-41] فعليهم أن يستقيموا وأن يحاسبوا أنفسهم، وأن يجتهدوا في تطبيق الشريعة في بلادهم، وعلى شعوبهم، حتى ينصرهم الله على اليهود، وعلى غير اليهود، ولا شك أنهم إذا أدوا ما أوجب الله، واستقاموا على شريعة الله، وجاهدوا في سبيله؛ فهم بهذا يكونون أهلاً لنصر الله لهم، وإعانته لهم على اليهود، وعونًا لهم أيضًا على استرداد القدس، وغير ذلك من بلادهم إلى أهلها المسلمين، لكن وجود التفريط في أمر الله، والركون لمحارم الله وعدم تحكيم شريعة الله، هذا من أسباب الخذلان، ومن أسباب عدم النصر على الأعداء، فالواجب على ولاة أمر المسلمين وعلى المسلمين جميعًا أن يستقيموا على أمر الله، وأن يؤدوا ما أوجب الله عليهم، وأن يحذروا ما حرم الله عليهم، والواجب على الحكام المسلمين جميعًا أن يحكموا شريعة الله في عباده، وأن يقيموا حدوده، وأن ينصروا المظلوم ويردعوا الظالم، وأن يستقيموا على ما شرع الله لهم، حتى ينصرهم الله على اليهود وعلى غير اليهود، ثم أمر آخر وهو أن الواجب على المسلمين جميعًا أن يحاسبوا أنفسهم وأن يتقوا الله في أنفسهم، وأن يدعوا محارم الله، وأن يستقيموا على دين الله، سواء كانوا حكامًا أو أفرادًا وعامة، هذا واجب على الجميع، على كل فرد من المسلمين، بل على كل فرد من المكلفين، أن يعبد الله وحده وأن يطيع أوامره، وأن ينتهي عن نواهيه، وأن يقف عند حدوده، هكذا خلقهم الله، خلقهم الله ليعبدوه ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾[الذاريات: 56]، وأمرهم بهذا سبحانه حيث قال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾[البقرة: 21] قال ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء: 59] وقال جل وعلا: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾[النور: 56]، فالواجب على كل مسلم وعلى كل مسلمة تقوى الله وطاعته سبحانه في أداء ما أوجب وترك ما حرم، والوقوف عند حدود الله أينما كان، ويصلي كما أمر الله، ويصوم كما أمر الله، ويزكي كما أمر الله، ويحج كما أمر الله، ويبر والديه ويصل أرحامه، ويبتعد عما حرم الله عليه من الزنا، والظلم والسرقة وأكل الربا، وتعاطي المحارم كلها من الغيبة والنميمة، وغير هذا مما حرم الله.
هذا واجب على المسلمين جميعًا، رجالاً ونساءً، ومتى استقام المسلمون على دين ربهم نصرهم الله حكامًا وشعوبًا، وأيدهم بنصره وأعانهم على جهاد أعدائهم، وجعل العاقبة لهم في الدنيا والآخرة، كما قال عز وجل: ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا﴾[آل عمران: 120] وقال سبحانه: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾[هود: 49] وقال سبحانه: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾[الروم: 47] فالنصر مربوط بأداء الحقوق، النصر مربوط بقيامنا بأمر الله، واستقامتنا على دين الله، وفي نصرنا لدينه، حتى ينصرنا سبحانه وتعالى، نسأل الله أن يوفق المسلمين جميعًا لما فيه رضاه، وأن يهديهم الصراط المستقيم، وأن يوفق ولاة أمرهم لما فيه رضاه، وأن يشرح صدورهم لتحكيم شريعته، وإلزام الشعوب بها والاستقامة عليها، إنه سبحانه خير مسؤول.
المصدر:
الشيخ ابن باز من فتاوى نور على الدرب(18/254- 259)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟