الجواب
أهل العلم اختلفوا في زكاة الحلي: فمذهب أبي حنيفة -رحمه الله- ورواية عن أحمد -رحمه الله- أنه تجب فيها الزكاة، وهذا عند كثير من أهل العلم هو الذي تدل عليه الأدلة الشرعية، منها عموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة في الذهب والفضة، فإنه لم يستثن منها شيء، ومن المعلوم أن من تحلت بالذهب والفضة فإنها تكون صاحبة ذهب وفضة، فمن قال: إنها خارجة من العموم فإن كل إنسان يقول: إن فرداً من أفراد العموم خارج من العموم. فإن عليه أن يأتي بالدليل وحينئذ يكون مقبولاً.
وحجة القائلين بالوجوب أيضاً أنه قد وردت أدلة خاصة في وجوب زكاة الحلي، فضلاً عن الأدلة العامة، منها حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أن امرأة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم- وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب أي سواران فقال: «أتؤدين زكاة هذا؟» قالت: لا، قال: «أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار» فخلعتهما فألقتهما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- وقالت: «هما لله ورسوله» ، قال الحافظ ابن حجر وهو إمام وحجة في علم الحديث قال في بلوغ المرام: أخرجه الثلاثة وإسناده قوي، وذكر له شاهدين من حديث عائشة وأم سلمة - رضي الله عنهما - قالوا: ولأن هذا هو الأحوط والإنسان مأمور بالاحتياط وإبراء الذمة، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» ولقوله - صلى الله عليه وسلم-: «الحلال بيّن والحرام بيّن، وبينهما أمور مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه» وبراءة الإنسان لدينه وعرضه أمر مطلوب، وأما الذين يقولون بعدم وجوب الزكاة فإنهم استدلوا بحديث جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: «ليس في الحلي زكاة» . ولكن هذا الحديث لا يصح مرفوعاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم-، كما قرر ذلك أهل العلم، وهو أيضاً لا يصح من حيث المتن، فإن إطلاقه يقتضي ألا زكاة مطلقاً في الحلي، وليس الأمر كذلك، حتى عند القائلين بعدم وجوب الزكاة.
ومنها أنه مروي عن خمسة من الصحابة - رضي الله عنهم -، وقول الصحابي حجة على القول الراجح، ولكن الحقيقة أن قول الصحابي حجة إذا لم يعارضه النص أو يعارضه قول صحابي آخر، فإن عارضه النص وجب قبول النص، وإذا عارض قول الصحابي قول صحابي آخر وجب علينا أن نسلك طريق الترجيح، فمن ترجح قوله منهما بأي سبب من المرجحات المعلومة عند أهل العلم وجب اتباعه.
واستدلوا أيضاً بالقياس على الثياب والقياس على الأمتعة والقياس على المركوبات، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة» . قالوا: فلما قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: «ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة» دل ذلك على أن ما اختص به الإنسان لنفسه ليس عليه فيه زكاة، فيدخل في ذلك الحلي، ولكننا نقول: إن الحديث «ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة» إنما نفى النبي - صلى الله عليه وسلم- الصدقة عن شيء لا تجب الصدقة في جنسه، فإن العبد والفرس ليس فيهما زكاة أصلاً، ولا زكاة فيهما إلا إذا أعدا للتجارة وكانا من عروض التجارة، أما الذهب والفضة فإن الزكاة تجب في أعيانهما وفرق بين الأمرين، وقد ذكر أهل الأصول أنه لا يصح القياس، إلا إذا تساوى الأصل والفرع في العلة، قالوا أيضاً: ولأن الإنسان إذا أعد لنفسه ثياباً يلبسها أو شماغاً يلبسه أو مشلحاً يلبسه فإنه لا زكاة فيه، فهذا مثله. والجواب على ذلك ما سبق من أن هذا القياس لا يصح، ولذلك لو أن الإنسان أعد ثيابه وأمتعته للنفقة فقط كلما احتاج باع منها وأنفق فإن الزكاة لا تجب فيها، والذين يقولون لا تجب الزكاة في الحلي يقولون: إنه إذا أعد للنفقة، بحيث إذا احتاجت المرأة باعت وأنفقت على نفسها. قالوا: إن الزكاة تجب فيه، وحينئذ يعرف الفرق بين الأمرين، ولا يصح قياس أحدهما على الآخر، وبهذه الوجوه التي ذكرتها يتبين للإنسان الذي عنده علم أي القولين أولى بالترجيح والاتباع، ونسأل الله تعالى أن يهدينا صراطه المستقيم، وأن يجعلنا ممن يرى الحق حقًّا ويرزقنا اتباعه.
وإني ضارب لكم مثلاً: امرأة عندها حلي تلبسه وتتجمل به وهي غنية جداً، لا تعد هذا الحلي للنفقة، وإنما تعده للتزين والتجمل، وامرأة أخرى فقيرة عندها حلي، ولكنها تحتاجها للنفقة كلما احتاجت أنفقت، الأخيرة، يقول هؤلاء: إن عليها الزكاة في حليها والأولى يقولون: أنه لا زكاة عليها في حليها، مع أن النظر يقتضي أن الأولى هي التي يجب عليها زكاة الحلي لأنها هي الغنية، والثانية هي التي لا يجب عليها الحلي؛ لأنها إنما اتخذت الحلي للحاجة لا للتزين، ومع ذلك الأدلة تدل على وجوب الزكاة على هذه وعلى هذه، كما تقرر، والله أعلم.