الإثنين 21 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 23-03-2020

حكم تخصيص شهر رجب بعمرة

الجواب
شهر رجب أحد الأشهر الأربعة الحرم وهي: ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، ورجب، هذه أربعة أشهر حرم ورجب منها بلا شك، والله حرم القتال فيها، أما الثلاثة: ذو القعدة، ذو الحجة، ومحرم، فلأنها أشهر الحج: القعدة للقادمين إلى مكة، والحجة للذين في مكة، ومحرم
للراجعين من مكة، فجعل الله هذه الأشهر الحرم يحرم فيها القتال حتى يأمن الناس الذين يأتون إلى الحج، وشهر رجب كان في الجاهلية يعظمونه ويعتمرون فيه فجعله الله محرم.
واختلف السلف- رحمهم الله - هل العمرة فيه سنة أو لا ؟ فقال بعضهم: سنة وقال الآخرون: ليست سنة لأنها لو كانت سنة لبينها الرسول - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ، إما بقوله، وإما
بفعله.
والعمرة في أشهر الحج أفضل من العمرة في رجب؛ لأن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- اعتمر في أشهر الحج، ولما ذكر ابن عمر-رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- اعتمر في رجب، وهمته عائشة وقالت: (لقد وهم أبو عبد الرحمن) قالت له: وهو يسمع. فسكت.
فعلى كل حال لا أرى دليلاً واضحاً على استحباب العمرة في رجب.
كذلك أيضاً يوجد في رجب أن بعض الناس يخصه بالصوم يقول: إنه يسن الصيام فيه.
وهذا غلط فإفراده بالصوم مكروه، أما صومه مع شعبان ورمضان فهذا لا بأس فيه، وفعله بعض السلف، ولكن مع ذلك لا نراه، نرى أن لا يصوم الثلاثة أشهر يعني رجب وشعبان ورمضان.
وأما ما يسمى بصلاة الرغائب وهي ألف ركعة في ليلة أول رجب، أو في أول ليلة جمعة منه فأيضاً لا صحة له وليست مشروعة.
وأما العتيرة التي تذبح في رجب فهي أيضاً منسوخة كانت في الأول مشروعة ثم نسخت فليست مشروعة.
وأما الإسراء والمعراج الذي اشتهر عند كثير من الناس أو أكثرهم أنه في رجب وفي ليلة السابع والعشرين منه، فهذا لا صحة له إطلاقاً، وأحسن وأظهر الأقوال أن الإسراء والمعراج كان في ربيع الأول، ثم إن إقامة في ليلة سبع وعشرين من رجب بدعة لا أصل لها، والبدع أمرها عظيم جداً، أمرها شديد؛ لأن البدع الدينية التي يتقرب بها الناس إلى الله فيها مفاسد عظيمة منها:
أولاً: أن الله لم يأذن بها وقد أنكر الله على الذين شرعوا بلا إذن فقال: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾[الشورى: 21].
ثانياً: أنها خارجة عن هدي النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «عليكم بسنتي وإياكم ومحدثات الأمور».
ثالثاً: أنها تقتضي إما جهل النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأصحابه بهذه البدعة، وإما عدم عملهم بها، وكلا الأمرين خاطئ.
رابعاً: أنها تستلزم عدم صحة قول الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ﴾[المائدة: 3] لأنك إذا أتيت بشيء جديد يعني أن الدين في الأول ناقص ما كمل، وهذا خطير جداً أن نقول هذه البدعة تقتضي أن الدين لم يكمل.
خامساً: ومنها أن هؤلاء المبتدعون جعلوا أنفسهم بمنزلة الرسل الذين يشرعون للناس وهذه أيضاً مسألة خطيرة، ولو تأملت لوجدت أكثر من هذه الخمسة في مضار البدع، ولو لم يكن منها إلا أن القلوب تتعلق بهذه البدعة أكثر مما تتعلق بالسنة كما هو مشاهد تجد هؤلاء الذين يعتنون بالبدع ويحرصون عليها لو فكرت في حال كثير منهم لوجدت عنده فتوراً في الأمور المشروعة المتيقنة، ربما يبتدع هذه البدعة وهو حليق اللحية مسبل الثياب شارب للدخان، مقصر في صلاة الجماعة، ويقول بعض السلف: ما ابتدع قوم بدعة إلا تركوا من السنة مثلها، أو أشد، حتى أن بعض العلماء قال: المبتدع لا توبة له؛ لأنه سن سنة يمشي الناس عليها إلى يوم القيامة، أو إلى ما شاء الله، بخلاف المعاصي الخاصة، فهي خاصة بفاعلها، وإذا تاب ارتفعت، لكن البدعة لو تاب الإنسان منها فالذين يتبعونها فيها لم يتوبوا، فلذلك قال بعض العلماء إنه لا توبة لمبتدع، لكن الصحيح أن له توبة، وإذا تاب توبة نصوحاً تاب الله عليه، ثم يسر الله أن تمحى هذه البدعة ممن اتبعوه فيها.
المصدر:
مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين(22/273- 275)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟