الثلاثاء 12 ربيع الآخر 1446 هـ

تاريخ النشر : 23-03-2020

حكم زيارة قبر الميت قبل أربعين يوماً من وفاته

الجواب
قبل الإجابة على هذا السؤال ينبغي أن نبين أن زيارة القبور سنة في حق الرجال أمر بها النبي- صلى الله عليه وسلم- بعد أن نهى عنها، فقال - صلى الله عليه وسلم-: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم بالآخرة». والزائر الذي يزور القبور يزورها.
أولاً: امتثالاً لأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم-.
ثانياً: اعتباراً بحال هؤلاء الأموات الذين كانوا بالأمس معه على ظهر الأرض، يأكلون كما يأكل، ويشربون كما يشرب، ويلبسون كما يلبس، ويتنعمون في الدنيا كما يتنعم، فأصبحوا الآن مرتهنين في قبورهم بأعمالهم، ليس عندهم صديق ولا حميم، وإنما جليسهم عملهم كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «يتبع الميت ثلاثة، فيرجع اثنان ويبقى معه واحد، يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله ويبقى عمله» فيعتبر الزائر بحال هؤلاء.
والفائدة الثالثة: أنه يتذكر الآخرة وأنها المقر والمرجع، وأن الدنيا دار ممر وليست دار مقر، ومع ذلك فليست القبور هي المثوى الأخير، فبعدها ما بعدها من اليوم الآخر، وأما البقاء في القبور فهو زيارة كما قال تعالى: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَّاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾[التكاثر: 1 ـ 2].
وقد ذُكِر أن أعرابياً سمع قارئاً يقرأ هذه: ﴿حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾[التكاثر: 2] فقال: والله ما الزائر بمقيم وإن وراء هذه الزيارة لأمر إقامة.
وبهذه المناسبة أود أن أنبه إلى كلمة يقولها بعض الناس من غير روية وتدبر لمعناها وهو أنهم إذا تحدثوا عن الميت قالوا: "ثم آووه إلى مثواه الأخير". "أو دفن في مثواه الأخير"، وكلمة (مثواه الأخير) لو دُقق في معناها لكانت كفراً؛ لأنه إذا كان القبر هو المثوى الأخير فمعناه : (أنه لا بعد ذلك من مقر) ، وهذا أمر خطير لأن الإيمان بالله واليوم الآخر من أركان الإيمان، لكن الذي يظهر لي أن العامة يقولونها من غير تدبر لمعناها، لكن يجب التنبه لذلك لخطورة ذلك، فمن اعتقد أن القبر هو المثوى الأخير وأنه ليس بعده شيء فقد أخطأ.
الفائدة الرابعة من زيارة القبور: أن الزائر يسلِّم على أهل القبور ويدعو لهم: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية.
وأما من يزور القبور للدعاء عندها فإن ذلك من البدع فالمقبرة ليست مكاناً للدعاء حتى يذهب ليدعو الله عندها، كالدعاء عند قبر رجال صالح أو ما أشبه ذلك، وأشد من ذلك من يذهب إلى المقبرة ليدعو أصحاب القبور ليستغيث بهم ويستعين بهم فإن هذا من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله. قال الله عز وجل: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾[فاطر: 60]. وقال الله عز وجل: ﴿فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾[الجن: 18] . فمن دعا غير الله لقضاء حاجته من هؤلاء الأموات فقد أشرك بالله شركاً أكبر.
وليعلم أن زيارة القبور لا تختص بوقت معين، ولا بليلة معينة بل يزورها الإنسان ليتذكر، ولقد زار النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البقيع ذات مرة في الليل وهو دليل على أن الزيارة لا يشترط لها يوم معين.
أما فيما يتعلق بسؤال السائل وهو أن أهله لا يزورونه إلا إذا تم له أربعون يوماً، فهذا لا أصل له، بل للإنسان أن يزور قبر قريبه من ثاني يوم دفن، ولكن لا ينبغي للإنسان إذا مات له الميت أن يعلق قلبه به وأن يكثر التردد إلى قبره؛ لأن هذا يجدد له الأحزان، وينسيه ذكر الله -عز وجل-، ويجعل أكبر همه أن يكون عند هذا القبر، وربما يبتلى بالوساوس والخرافات والأفكار السيئة بسبب هذا.
المصدر:
مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين(17/304- 307)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟