الجواب
وأجابت بما يلي:
أولًا: قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾[الأعراف: 180] فأخبر سبحانه عن نفسه بأنه اختص بالأسماء الحسنى المتضمنة لكمال صفاته، ولعظمته وجلاله، وأمر عباده أن يدعوه بها، تسمية له بما سمى به نفسه، وأن يدعوه بها تضرعا وخفية في السراء والضراء، ونهاهم عن الإلحاد فيها؛ بجحدها، أو إنكار معانيها، أو بتسميته بما لم يسم به نفسه، أو بتسمية غيره بها، وتوعد من خالف في ذلك بسوء العذاب.
وقد سمى الله نفسه بأسماء في محكم كتابه، وفيما أوحاه إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - من السنة الثابتة، وليس من بينها اسم الفضيل، وليس لأحد أن يسميه بذلك؛ لأن أسماءه تعالى توقيفية، فإنه سبحانه هو أعلم بما يليق بجلاله، وغيره قاصر عن ذلك، فمن سماه بغير ما سمى به نفسه أو سماه به رسوله - صلى الله عليه وسلم - فقد ألحد في أسمائه، وانحرف عن سواء السبيل، وليس لأحد من خلقه أن يعبد أحدا لغيره من عباده، فلا تجوز التسمية بعبد الفضيل، أو عبد النبي، أو عبد الرسول، أو عبد علي، أو عبد الحسين، أو عبد الزهراء، أو غلام أحمد، أو غلام مصطفى، أو نحو ذلك من الأسماء التي فيها تعبيد مخلوق لمخلوق؛ لما في ذلك من الغلو في الصالحين والوجهاء، والتطاول على حق الله، ولأنه ذريعة إلى الشرك والطغيان، وقد حكى ابن حزم إجماع العلماء على تحريم التعبيد لغير الله، وعلى هذا يجب أن يغير ما ذكر في السؤال من الأسماء وما شابهها. -
ثانيا: ثبت عن أبي هريرة -رضي الله عنه- ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة» رواه البخاري ومسلم.
وروى هذا الحديث الترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم والبيهقي وغيرهم، وزادوا فيه تعيين الأسماء التسعة والتسعين، مع اختلاف في تعيينها، وللعلماء في ذلك مباحث:
أ- منها: أن المراد بإحصائها: معرفتها، وفهم معانيها، والإيمان بها، والعمل بمقتضاها، والاستسلام لما دلت عليه، وليس المراد مجرد حفظ ألفاظها وسردها عدا.
ب- ومنها: أن المعول عليه عند العلماء أن تعيين التسعة والتسعين اسما مدرج في الحديث، استخلصه بعض العلماء من القرآن فقط، أو من القرآن والأحاديث الصحيحة، وجعلوها بعد الحديث؛ كتفسير له، وتفصيل للعدد المجمل فيه، وعملا بترغيب النبي - صلى الله عليه وسلم - في إحصائها؛ رجاء الفوز بدخول الجنة.
ج- ومنها: أنه ليس المقصود من الحديث حصر أسماء الله في تسعة وتسعين اسما؛ لأن صيغته ليست من صيغ الحصر، وإنما المقصود الإخبار عن خاصة من خواص تسعة وتسعين اسما من أسمائه تعالى، وبيان عظم جزاء إحصائها، ويؤيده ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك: أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي. إلا أذهب الله حزنه وهمه وأبدله مكانه فرحا، فقيل: يا رسول الله أفلا نتعلمها ؟ فقال: بلى، ينبغي لكل من سمعها أن يتعلمها».
فبين الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن الله سبحانه وتعالى استأثر بعلم بعض أسمائه، فلم يطلع عليها أحدا من خلقه، فكانت من الغيبيات التي لا يجوز لأحد أن يخوض فيها بخرص وتخمين؛ لأن أسماءه تعالى توقيفية، كما سيجيء إن شاء الله.
د- ومنها أن أسماء الله توقيفية، فلا يسمى سبحانه إلا بما سمى به نفسه، أو سماه به رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا يجوز أن يسمى باسم عن طريق القياس أو الاشتقاق من فعل ونحوه، خلافا للمعتزلة والكرامية، فلا يجوز تسميته بناء، ولا ماكرا، ولا مستهزئا؛ أخذا من قوله تعالى: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ﴾[الذاريات: 47] وقوله: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ ﴾[آل عمران: 54] وقوله: ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ﴾[البقرة: 15] ولا يجوز تسميته: زارعا ولا ماهدا، ولا فالقا، ولا منشئا، ولا قابلا، ولا شديدا، ونحو ذلك؛ أخذا من قوله تعالى: ﴿أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾[الواقعة: 64] وقوله: ﴿فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ ﴾[الذاريات: 48] وقوله: ﴿أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ﴾[الواقعة: 72] وقوله تعالى: ﴿فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى ﴾[الأنعام: 95] وقوله: ﴿وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ﴾[غافر: 3] ؛ لأنها لم تستعمل في هذه النصوص إلا مضافة، وفي إخبار على غير طريق التسمي، لا مطلقة، فلا يجوز استعمالها إلا على الصفة التي وردت عليها في النصوص الشرعية.
فيجب ألا يعبد في التسمية إلا لاسم من الأسماء التي سمى بها نفسه صريحا في القرآن، أو سماه بها رسوله - صلى الله عليه وسلم - فيما ثبت عنه من الأحاديث، كأسمائه التي في آخر سورة الحشر، والمذكورة أول سورة الحديد، والمذكورة في سور أخرى من القرآن.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.