الأحد 20 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 26-03-2020

هل احتفل الرسول - صلى الله عليه وسلم - بيوم ولادته ؟

الجواب
لم يحتفل النبي - صلى الله عليه وسلم - بذكرى ميلاده، ولم يحتفل بذلك أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي، ولا غيرهم من الصحابة الكرام - رضي الله عنهم - ، ولم يحتفل بذلك التابعون لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، ولا تابعو التابعين ولا أئمة المسلمين، وإنما ابتدع هذا الاحتفال بذكرى مولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أثناء المائة الرابعة، أي: بعد ثلاثمائة سنة من هجرة النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- . ولا شك أن الحامل لهذا الاحتفال ممن أسسه، لا شك أنه إن شاء الله تعالى حب الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن حب الرسول عليه الصلاة والسلام، إنما يتبين حقيقةً باتباع الرسول عليه الصلاة والسلام فمن كان للرسول أحب كان له أتبع بلا شك، ومن كان للرسول أتبع كان ذلك أدل على محبته لرسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ، ولهذا يقول المبتدعون لأهل السنة المتمسكين بها يقولون: إن هؤلاء لا يحبون الرسول - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ، ونقول: سبحان الله! أيهما أقرب إلى حب الرسول عليه الصلاة والسلام: من شرع في دينه ما ليس منه، أو من تمسك بهديه وسنته ؟
الجواب لا شك أنه الثاني: أن من تمسك بهديه وسنته فهو أشد حباً لرسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ممن ابتدع في شريعته ما لم يشرعه عليه الصلاة والسلام، بل إن البدعة الشرعية في دين الله مضمونها القدح برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، كأن المبتدع يقول: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاهل بمشروعية هذه البدعة، أو: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عالم بمشروعيتها لكن كتمها عن أمته. وكلا الأمرين قدحٌ واضح في رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ، فلو تأمل المبتدع ما تتضمنه بدعته من اللوازم الفاسدة لاستغفر الله منها، ولعاد إلى السنة فوراً بدون أي واعظ.
وخلاصة القول في الجواب على هذا السؤال: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بذكرى ميلاده أبدا، ولا خلفاؤه الراشدون، ولا الصحابة ولا التابعون، ولا تابعو التابعين، ولا أئمة المسلمين، وإنما حدث ذلك من بعض الولاة واستمر الناس عليه إلى يومنا هذا، ولكني واثق بإذن الله عز وجل أن هذه الصحوة المباركة التي في شباب الأمة الإسلامية سوف تقضي على هذه البدعة، وسوف تزول شيئا فشيئا كما تبين ذلك في بعض البلاد الإسلامية، ممن تذكروا حين ذكروا واتعظوا حين وعظوا ولم يعودوا إلى هذه البدعة. قد يقول المبتدع: أنا لم أحدث شيئا: أنا أصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، وأذكره بالخير، وأثني عليه، وأحيي ذكراه في القلوب. نقول: هذا حسن: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم محمودة، والثناء عليه بما هو يستحق محمود، وكذلك إحياء ذكراه محمود، ولكن الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم شرع لأمته ما تحصل به الذكرى والمحبة على غير هذا الوجه: نحن نذكر الرسول عليه الصلاة والسلام في كل عبادة، هذا هو الذي ينبغي لنا أن نفعله، أي: أن نذكر الرسول صلى الله عليه وسلم في كل عبادة، وذلك لأن كل عبادة مبنية على أمرين: على الإخلاص لله، والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم، وحينما تشعر بأنك في عبادتك متبع لرسول الله سيكون هذا ذكرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم. كذلك أيضا نحن نذكر النبي عليه الصلاة والسلام ونرفع شأنه وذكراه في أعلى الأمكنة في كل يوم وليلة خمس مرات، في الأذان، نقول في كل أذان: أشهد أن محمدا رسول الله، وهذا إحياء لذكراه وإعلاء لشأنه من على المنارات بالأصوات المرتفعة، ونقول أيضا مرة ثانية عند القيام للصلاة في الإقامة أشهد أن محمدا رسول الله، أي ذكرى أعظم من هذه الذكرى ؟ كذلك إذا فرغنا من الوضوء نقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، كذلك في الصلاة في التشهد نقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. في كل أحوالنا، في كل عباداتنا نحن نذكر الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن العبادة إخلاص واتباع، إخلاص لرب العالمين واتباع لرسول رب العالمين، فهي إحياء الذكرى، فلا حاجة أن نبتدع في شريعة الله ما ليس منها من أجل إحياء الذكرى. ثم إنه - كما قال بعض أهل العلم- إحياء ذكرى الرسول عليه الصلاة والسلام في هذه الليلة يوجب أن ينسى ذكر الرسول في غير هذه الليلة، وأن يترقب هؤلاء مجيء هذه الليلة ليحيوا ذكرى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها. لهذا نوجه إخواننا المسلمين من على هذا المنبر- ألا وهو: منبر نور على الدرب من إذاعة المملكة العربية السعودية، نوجه جميع إخواننا المسلمين- إلى أن يتدبروا الأمر وينظروا فيه، ويحرصوا على اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم واتباع الخلفاء الراشدين حيث أمرنا باتباعهم، قال الله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَان﴾[التوبة: 100] وانتبه لهذا القيد (اتبعوهم بإحسان) والإحسان اتباع آثارهم حقيقة فعلا وتركا، ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْه﴾[التوبة: 100] . وقال النبي عليه الصلاة والسلام: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور» فليتدبر إخواننا المسلين في بقاع الأرض، ليتدبروا هذه المسألة، وليقولوا في أنفسهم: أنحن خير أم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ولو كان خيرا لسبقونا إليه. أنحن أشد حبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه ؟ أنحن أشد حرصا على الطاعات من أصحابه ؟ كل هذا الجواب فيه لا وإذا كان الجواب فيه: لا، فليكن أيضا الجواب في الاحتفال بذكرى مولده: لا، وليعلموا أنهم إذا تركوا ذلك لله عز وجل وتحقيقا لاتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فسيجعل الله في قلوبهم من الإيمان بالله ورسوله ومحبة الله ورسوله ما لم يكن فيها عند وجود هذه الاحتفالات التي يدعون أنها ذكرى لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
المصدر:
الشيخ ابن عثيمين من فتاوى نور على الدرب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟