الأربعاء 23 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 24-03-2020

قلَّم أظفاره أثناء الإحرام جاهلاً بالحكم وأفتي ببطلان حجه فما الحكم ؟

الجواب
تقليم الأظافر حال الإحرام ذكر أهل العلم أنه لا يجوز إلحاقاً بذلك في حلق الرأس لما في الجميع من الترفه وإزالة الأذى، وأما بالنسبة لما جرى منك فإنه لا شيء عليك وإحرامك صحيح لا شيء عليك؛ لأنك جاهل لا تدري أن التقليم في هذه الحالة حرام، وكل إنسان يفعل شيئاً من محظورات الإحرام وهو جاهل لا يدري، أو ناسي لا يذكر فإنه لا شيء عليه لا نسك، ولا صدقة، ولا صيام لقوله تعالى: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾[البقرة: 286] وقوله تعالى: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ﴾[الأحزاب: 5] وقوله تعالى في خصوص الصيد: ﴿وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ﴾[المائدة: 95] . فقوله : ( متعمداً ) يدل على أن غير المتعمد لا جزاء عليه.
وأما بالنسبة للذي أفتاك بأن إحرامك فاسد ويجب عليك أن ترجع فتحرم من موضعك فهذه الفتوى خطأ، وإنني أوجه إلى هذا المفتي المتجرئ وإلى أمثاله ممن يتجرأون على الحكم والإفتاء للناس بغير علم إنني أوجه لهم النصيحة بأن يخافوا الله عز وجل وأن يحذروا عقابه، فإن الله تعالى يقول في كتابه الكريم: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾[الأعراف: 33] ، فالقول على الله بما لا يعلم منه القول في شريعته بما لا يعلم، فلا يحل لأحد أن يفتي أحداً في شيء إلا عن علم بأن هذا الشيء حكمه كذا وكذا، وأما أن يفتيه بجهل فإن ذلك حرام عليه فليتق الله هؤلاء الجاهلون الذي يفتون الناس بغير علم فيضلوا ويضلوا، فالواجب على المسلم إذا أشكل عليه شيء أن يسأل أهل العلم الذين عرفوا بالعلم والورع والاستقامة، فإنه ليس أيضاً كل من عرف بأنه مفتي يكون أهلاً للفتوى، فإننا نرى كثيراً من العوام يعتمدون في استفتاءاتهم على من ليس عندهم علم، وإنما هم تقدموا مثلاً في إمامة مسجد أو ما أشبه ذلك فظنوا أن عندهم علماً فصاروا يستفتونهم، وهؤلاء بحكم منصبه وإمامته صار الواحد منهم يستحي أن يقول: لا أعلم. وهذا لا شك أنه من جهلهم أيضاً، فإن الواجب على من سئل عن علم وهو لا يعلمه أن يقول: لا أعلم.
وقد ذكر بعض من تكلموا عن حياة الإمام مالك بن أنس- رحمه الله - إمام دار الهجرة، أن رجلاً أتاه من بلد بعيد في مسألة أرسله أهل البلد بها إلى الإمام مالك ليسأله فأقام عند مالك ما شاء الله،
ثم سأله عن هذه المسألة فقال له مالك: لا أعلم، فقال: إن أهل بلدي أرسلوني إليك، وكيف أقول لهم لا أعلم وأنت إمام دار الهجرة ؟ قال: اذهب إليهم وقل: إني سألت مالك فقال: لا أعلم. هذا مع ما أعطاه الله من العلم والإمامة في الدين، فكيف بمن دونه ؟!
النبي عليه الصلاة والسلام أحياناً يسأل عن الشيء ولا يجيب عليه، ويجيب الله عنه، وانظر إلى ما في القرآن كثيراً يسألونك فيجيب الله عنه ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾[البقرة: 189] ، ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى﴾[البقرة: 222] ، ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ﴾[المائدة: 4] فإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يتوقف عن الإجابة في ما لم يعلم فيه حكم الله فكيف بغيره من الناس ؟!
على كل حال نصيحتي لإخواني المسلمين أن يتقوا الله سبحانه وتعالى وأن لا يتجرئوا على الفتوى من غير علم، فإن ذلك ضلال وإضلال، وأسأل الله تعالى أن يرزقنا جميعاً الثبات والاستقامة، وأن يجعلنا هداة مهتدين.
المصدر:
مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين(22/125)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟