الأربعاء 23 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 23-03-2020

حكم من يسأل الأموات حاجته من الولد والغنى..

الجواب
هذه المسألة خطيرة جداً لا أخطر منها فيما أرى؛ لأنها شرك، شرك أكبر مخرج عن الملة، فإن من أتى إلى القبور ودعاهم واستغاث بهم في تفريج الكربات وحصول المطلوبات كان داعياً لغير الله -عز وجل-، فكان مشركاً في دينه وضالاً في عقله: أما كونه مشركاً في دينه فلأنه عبد مع الله غيره حيث دعاهُ، ودعاء غير الله عبادة له، قال الله -عز وجل-: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾[غافر: 60]. فأمر الله بالدعاء وجعله عبادة قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾. فإذا دعا أحداً غير الله فقد عبده فيكون بذلك مشركاً كافراً، وقال -عز وجل-: ﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾[المؤمنون: 117]. فأخبر بأن هذا كافر- أي: من يدعو مع الله إلهاً آخر- وأنه غير مفلح في دعائه، فلم يحصل له مطلوبه، وإن قدر أنه حصل له فإن هذا المطلوب لم يحصل بالدعاء ولكنه حصل عند الدعاء، امتحاناً من الله -عز وجل- وفتنة واستدراجاً. وأما كون من دعا غير الله تعالى ضالاً في عقله فلأن الله تعالى يقول: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ﴾[الاحقاف: 5، 6].
وفي الآية هذه دليل أيضاً على أن الدعاء عبادة؛ لقوله: ﴿وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ﴾[الأحقاف: 6].
وإن نصيحتي لهؤلاء أن يرجعوا إلى رشدهم، وأن يفكروا تفكيراً جدياً في هذه المسألة، فالمقبورون هم بالأمس كانوا أحياء مثلهم يعيشون على الأرض ثم ماتوا، فكان أعجز منهم على حصول المطلوب؛ لأن الميت لا حراك به ولا عمل له ولا ثواب له، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له». وإنما انقطع عمله لأنه كسب له، ولا يستطيع أن يتكسب، ولا يستطيع أن يجلب خيراً لغيره ولا يدفع ضرّاً عن غيره. فليرجعوا إلى عقولهم، أي: فليرجع هؤلاء الذين يلتفون حول القبور يسألونهم الحوائج ودفع الكربات، لينظروا في أمرهم ويتدبروا بعقولهم وأن ذلك لا يجدي شيئاً، ولماذا لا يرجع هؤلاء إلى البديل الذي هو خير من ذلك والذي به النفع ودفع الضرر وهو الالتجاء إلى الله -عز وجل-، فيدعون الله -عز وجل- في صلواتهم وفي خلواتهم؟ فإنه -سبحانه وتعالى- هو الذي قال في كتابه: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾[البقرة: 186]. وقال: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾[غافر: 60].
فلماذا لا يدعون الله -عز وجل-؟
فليرجعوا عن هذا العمل -أعني: الالتفاف حول القبور ودعاء أصحابها- فيلتفوا حول المساجد ويصلوا مع الجماعة ويدعو الله -سبحانه تعالى- وهم سجود، ويدعوا الله تعالى بعد الانتهاء من التشهد وقبل أن يسلموا، ويدعو الله بين الأذان والإقامة، ويتحروا أوقات الإجابة والأحوال التي يكونون فيها أقرب إلى الإجابة، فيلجؤوا إلى الله تعالى بالدعاء حتى يجدوا الخير والفلاح والسعادة.
المصدر:
الشيخ ابن عثيمين من فتاوى نور على الدرب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟