الأحد 20 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 23-03-2020

حكم المولد النبوي إذا كان مقتصرًا على سيرته وذكره

الجواب
لا شك أن النبي- صلى الله عليه وسلم - سيد ولد آدم، ولا شك أن له حقوقاً علينا أكثر من حقوق أمهاتنا وآبائنا، ولا شك أنه يجب علينا أن نقدم محبته على محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين، ولا شك أن له من المناقب والفضائل ما لم يكن لغيره، وهذا أمر مسلم. وإذا كان هذا يسأل عن الاحتفال بمولد النبي- صلى الله عليه وسلم - فإننا نبحث في هذه المسألة من ناحيتين: أولاً: من الناحية التاريخية، فإنه لم يثبت أن ولادته كانت في ليلة الثاني عشر من ربيع الأول، ولا كانت يوم الثاني عشر من ربيع الأول، بل حقق بعض المعاصرين من الفلكيين أن ولادته كانت في اليوم التاسع من ربيع الأول، وعلى هذا فلا صحة لكون المولد يوم الثاني عشر أو ليلة الثاني عشر من الناحية التاريخية. أما من الناحية التعبدية فإننا نقول: الاحتفال بالمولد ماذا يريد به المحتفلون ؟ أيريدون إظهار محبة الرسول- صلى الله عليه وسلم - ؟ إن كانوا يريدون هذا فإظهار محبته بإظهار شريعته عليه الصلاة والسلام والالتزام بها، والذود عنها وحمايتها من كل بدعة. أم يريدون ذكرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فذكرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاصلة فيما هو مشروع كل يوم: فالمؤذنون يعلنون على المنائر أشهد أن محمداً رسول الله، والمصلون في كل صلاة يقول المصلى: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، ويقول: أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ويقول: اللهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد بل كل عبادة فهي ذكرى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وذلك لأن العبادة مبنية على أمرين: الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وبالمتابعة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - تكون الذكرى في القلب. أم يريد هؤلاء أن يكثروا من الصلاة على النبي- صلى الله عليه وسلم - وإظهار مناقبه ؟ فنقول: نعم هذه الإرادة ونحن معهم نحث على كثرة الصلاة على النبي- صلى الله عليه وسلم - ، ونحث على إظهار مناقبه - صلى الله عليه وسلم - في أمته؛ لأن ذلك يؤدي إلى كمال محبته وتعظيمه واتباع شريعته. ولكن هل ورد هذا مقيداً بذلك اليوم الذي ولد فيه الرسول- صلى الله عليه وسلم - ؟ أم إنه عام في كل وقت وحين ؟
فالجواب بالثاني. ثم نقول: اقرأ قول الله - عز وجل - : ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾[التوبة: 100] فهل نحن متبعون للمهاجرين والأنصار في إقامة هذا المولد، بل في إقامة الاحتفال بمولد النبي- صلى الله عليه وسلم - ؟
ف لا؛ لأن الخلفاء الراشدين والصحابة أجمعين والتابعين لهم بإحسان وأئمة المسلمين من بعدهم لم يقيموا هذا الاحتفال ولم يندبوا إليه أبداً، أفنحن أحق برسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم ؟ أم هم غافلون مفرطون في إقامة هذا الحق للرسول- صلى الله عليه وسلم - ؟ أم هم جاهلون به لا يدرون عنه ؟ كل هذا لم يكن؛ لأن وجود السبب مع عدم المانع لابد أن يحصل مقتضاه، والصحابة لا مانع لهم من أن يقيموا هذا الاحتفال، لكنهم يعلمون أنه بدعة، وأن صدق محبة الرسول عليه الصلاة والسلام في كمال اتباعه، لا أن يبتدع الإنسان في دينه ما ليس منه، فإذا كان الإنسان صادقاً في محبة الرسول- صلى الله عليه وسلم - وفي اعتقاده أنه سيد البشر فليكن ملتزماً بشريعته: ما وجد في شريعته قام به، وما لم يوجد أعرض عنه، هذا خالص المحبة وهذا كامل المحبة. ثم إن هذه الموالد يحصل فيها من الاختلاط والكلمات الزائدة في الغلو برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، حتى أنهم يترنمون بالبردة المضافة إلى البوصيري وفيها يقول:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به… سواك عند حلول الحادث العمم كيف يقول: ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العظيم ؟ هل هذا صحيح ؟ هذا يعني أن هذا الذي أصيب بالحادث لا يرجع إلى الله - عز وجل - ولا يلوذ بالله - عز وجل - ، وهذا شرك، ثم يقول:
إن لم تكن آخذاً يوم المعاد يدي *** عفواً وإلا فقل يا زلة القدم
فهل الرسول عليه الصلاة والسلام ينقذ الناس يوم المعاد ؟ إن دعاء الرسل -عليهم الصلاة والسلام- في ذلك اليوم: اللهم سلم اللهم سلم عند عبور الصراط. ويقول أيضاً في هذه القصيدة وهو يخاطب النبي- صلى الله عليه وسلم - : (فإن من جودك الدنيا وضرتها) الدنيا وضرتها هي الآخرة من جود الرسول- صلى الله عليه وسلم - ، وليس كل جوده، بل هي من جوده، وجوده أجود من هذا، فإذا جعل الدنيا والآخرة من جود الرسول عليه الصلاة والسلام ماذا بقي لله تعالى في الدنيا والآخرة ؟ لن يبقى شيء، كل هاتين الدارين من جود النبي- صلى الله عليه وسلم - . ويقول أيضاً: (ومن علومك علم اللوح والقلم) -سبحان الله!- من علومه -وليست كل علومه - أن يعلم ما في اللوح المحفوظ، مع أن الله تعالى أمر نبيه أمراً خاصّاً أن يقول: ﴿قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ﴾[الأنعام: 50]. فإذا كان النبي- صلى الله عليه وسلم - لا يعلم ما غاب عنه في الدنيا فكيف يقال: إنه يعلم علم اللوح والقلم ؟ بل إن علم اللوح والقلم من علومه، وهذا غلو لا يرضاه الرسول عليه الصلاة والسلام، بل ينكره وينهى عنه. ثم إنه يحصل بهذا الاحتفال بالمولد أشياء تشبه حال المجانين: سمعنا أنهم بينما هم جلوس إذا بهم يفزون ويقومون قيام رجل واحد، ويدَّعون أن النبي- صلى الله عليه وسلم - حضر في هذا المجلس وأنهم قاموا احتراماً له، وهذا لا يقع من عاقل فضلاً عن مؤمن، أشبه ما به جنون! فالنبي- صلى الله عليه وسلم - في قبره لا يخرج إلى يوم البعث، كما قال الله - عز وجل - : ﴿وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾[المؤمنون: 100].
والخلاصة: أن الاحتفال بمولد النبي- صلى الله عليه وسلم - لا يصح من الناحية التاريخية ولا يحل من الناحية الشرعية، وأنه بدعة، وقد قال أصدق الخلق وأعلم الخلق بشريعة الله: (كل بدعة ضلالة) وإني أدعو إخواني المسلمين إلى تركه والإقبال على الله - عز وجل - ، وتعظيم سنة النبي- صلى الله عليه وسلم - وشريعته، وألا يحدث الإنسان في دين الله ما ليس من شريعة الله. وأنصحهم أن يحفظوا أوقاتهم وعقولهم وأفكارهم وأجسامهم وأموالهم من إضاعتها في هذا الاحتفال البدعي، وأسأل الله تعالى لنا ولهم الهداية والتوفيق وإصلاح الحال، إنه على كل شيء قدير.
فضيلة الشيخ: متى ظهرت بدعة المولد ؟
في القرن الرابع، يعني: مضت الثلاثة القرون المفضلة ولم يقمها أحد، في القرن الرابع وجدت، وفي القرن السابع كثرت وانتشرت وتوغلت. وقد أُلف في ذلك والحمد لله مؤلفات تبين أول هذه البدعة وأساسها ومكانتها من الشرع، وأنها لا أصل لها في شريعة الله.
فضيلة الشيخ: يزعم أناس بأنهم يحبون الرسول فأتوا بالمولد فاحتفلوا بالمولد وأتوا بالمدائح، فما حكم الاحتفال بالمولد حيث يزعمون بأنه حب للرسول ؟
على القاعدة التي ذكرت لك: من أحب الرسول فليتبع سنته، من أحب الرسول فلا يبتدع في دينه ما ليس منه، ولنا ولغيرنا كتابات في هذا الموضوع وبيانات، والذي نسأل الله تعالى إياه أن يهدي إخواننا للصراط المستقيم. ويا سبحان الله! أين أبو بكر ؟ أين عمر ؟ أين عثمان ؟ أين علي ؟ أين الصحابة ؟ أين الأئمة عن هذا ؟ أجهلوه أم فرطوا فيه ؟
لا يخلو الأمر من أحد أمرين: إما أنهم جاهلون بحق الرسول عليه الصلاة والسلام أن لا يقيموا الاحتفال لمولده، أو أنهم مفرطون تذهب القرون الثلاثة كلها لا تعلم بهذه البدعة، ونقول: إنها مشروعة، إنها محبوبة إلى الله ورسوله، إنها نافعة لمن قام بها ؟ هذا لا يمكن. ثم إنه يحدث في هذه الموالد من المنكرات العظيمة والغلو بالرسول- صلى الله عليه وسلم - شيء كثير، فنسأل الله تعالى أن يرزقنا جميعاً الاتباع، نسأل الله تعالى إيماناً لا كفر معه، ويقيناً لا شك معه، وإخلاصاً لا شرك معه، واتباعاً لا ابتداع معه.
المصدر:
الشيخ ابن عثيمين من فتاوى نور على الدرب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟