الجمعة 18 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 25-03-2020

حكم الحلف بالمصحف وعلى المصحف

الجواب
هذا السؤال ينبغي أن نبسط الجواب فيه وذلك أن القسم بالشيء يدل على تعظيم ذلك المقسم به تعظيماً خاصاً لدى المقسم ولهذا لا يجوز لأحد أن يحلف إلا بالله تعالى بأحد أسمائه أو بصفة من صفاته مثل أن يقول والله لأفعلنّ ورب الكعبة لأفعلنّ وعزة الله لأفعلنّ وما أشبه ذلك من صفات الله سبحانه وتعالى والمصحف يتضمن كلام الله وكلام الله تعالى من صفاته، كلام الله صفة ذاتية فعلية لأنه بالنظر إلى أصله وأن الله تعالى لم يزل ولا يزال موصوفاً به لأن الكلام كمال فهو من هذه الجهة من صفات الله الذاتية لم يزل ولا يزال متكلماً فعال لما يريد وبالنظر إلى آحاده يكون من الصفات الفعلية لأنه يتكلم متى شاء قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾[يس: ٨٢] فقرن القول بالإرادة وهو دليل على أن كلام الله يتعلق بإرادته ومشيئته والنصوص في هذا متضافرة كثيرة وأن كلام الله تحدث آحاده حسب ما تقتضيه حكمته وبهذا نعرف بطلان قول من يقول إن كلام الله أزلي ولا يمكن أن يكون تابعاً لمشيئته وأنه هو المعنى القائم بنفسه وليس هو الشيء المسموع الذي يسمعه من يكلمه الله - عز وجل - فإن هذا القول باطل في حقيقته وقد ألف شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- كتاب يعرف باسم التسعينية بين فيه بطلان هذا القول من تسعين وجهاً فإذا كان المصحف يتضمن كلام الله وكلام الله تعالى من صفاته فإنه يجوز الحلف بالمصحف بأن يقول الإنسان والمصحف ويقصد ما فيه من كلام الله - عز وجل - وقد نص على ذلك فقهاء الحنابلة رحمهم الله ومع هذا فإن الأولى للإنسان أن يحلف بما لا يشوش على السامعين بأن يحلف باسم الله - عز وجل - فيقول والله أو ورب الكعبة أو والذي نفسي بيده وما أشبه ذلك من الأشياء التي لا تستنكرها العامة ولا يحصل لديها فيه تشويش فإن تحليف الناس بما يعرفون وتطمئن به قلوبهم خير وأولى وإذا كان الحلف إنما يكون بالله وأسمائه وصفاته فإنه لا يجوز لأحد أن يحلف بغير الله لا بالنبي ولا بجبريل ولا بالكعبة ولا بغير ذلك من المخلوقات قال النبي عليه الصلاة والسلام: «من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت» وقال - صلى الله عليه وسلم - : «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك» فإذا سمع الإنسان شخصاً يحلف بالنبي أو بحياة النبي أو بحياة شخص آخر فلينهه عن ذلك وليبين له أن ذلك حرام ولكن ليكن نهيه وبيانه على وفق الحكمة بحيث يكون باللطف واللين والإقبال على الشخص وهو يريد نصحه وانتشاله من هذا العمل المحرم؛ لأن بعض الناس تأخذه الغيرة عند الأمر والنهي فيغضب ويحمر وجه وتنتفخ أوداجه وربما يشعر في هذه الحال أنه ينهاه انتقاماً لنفسه فيلقي الشيطان في نفسه هذه العلة ولو أن الإنسان نزَّل الناس منازلهم ودعا إلى الله بالحكمة واللين والرفق لكان ذلك أقرب إلى القبول وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام: «أن الله يعطي بالرفق ما لا يعطي على العنف» ولا يخفى على كثير من المستمعين ما حصل من النبي - عليه الصلاة والسلام - في قصة الأعرابي الذي جاء إلى المسجد فبال في طائفة منه فزجره الناس وصاحوا به فنهاهم النبي- صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فلما قضى بوله دعاه النبي - عليه الصلاة والسلام - وقال له: «إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من الأذى والقذر وإنما هي للتكبير والتسبيح وقراءة القرآن» أو كما قال - صلى الله عليه وسلم - ثم أمر أصحابه أن يصبوا على البول ذنوباً من ماء.
وبهذا زالت المفسدة وطهر المكان وحصل المقصود بالنسبة لنصيحة هذا الأعرابي الجاهل وهكذا ينبغي لنا نحن في دعوة عباد الله إلى دين الله أن نكون داعيين لله سبحانه وتعالى فنسلك الطريق التي تكون أقرب إلى إيصال الحق إلى قلوب الخلق وإصلاحهم والله الموفق.
المصدر:
الشيخ ابن عثيمين من فتاوى نور على الدرب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟