الجواب
إرشادنا لك بما نعلمه من شريعة الله أن تتجنب مثل هذه الأيمان أيمان الطلاق فإنها أيمان غير مشروعة ولا هي معروفة في عهد السلف أيضاً في عهد الصحابة وعلى هذا فهي من الأيمان التي لا ينبغي للمؤمن أن يحلف بها لقول النبي عليه الصلاة والسلام: «من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت» وهذا نسميه يميناً؛ لأنه في حكم اليمين وليس هو اليمين الذي هو القسم بالطلاق فإن القسم بالطلاق أو بغيره من المحلوفات يعتبر محرماً ونوعاً من الشرك قال النبي عليه الصلاة والسلام: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك» فالذي يحلف بغير الله مثل أن يقول: والنبي أو والرسول أو والكعبة أو وشرفي أو نحو ذلك مما يحلف به الجهال فإن ذلك محرم عليه ولا يجوز وعليه أن يتوب إلى الله من هذا الأمر.
أما بالنسبة لما وقع منك على والدة زوجتك وعلى زوجتك في المرة الثانية فقد صرحت في سؤالك أنك لم ترد الطلاق وإنما أردت اليمين حيث أردت منع والدة زوجتك من السفر وأردت منع زوجتك من الكلام أثناء الطريق، وما دامت هذه نيتك فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم -يقول: « إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى»، ولكن كفارة ذلك ليس كما قال لك المفتي الذي استفتيته بل كفارة ذلك أن تطعم عشرة مساكين أو كسوتهم وإطعامهم إطعام المساكين في كفارة اليمين يكون على وجهين، فإما أن تصنع طعاماً غداءً أو عشاء فتدعوهم إليه فيسارع المساكين إلى هذا الغداء أو العشاء فيأكلون وإما أن تعطيهم إياه بدون طبخ ومقدراه ستة كيلوات من الرز ويحسن أن تجعل معه لحماً يكون إيداماً له حتى يتم الإطعام؛ وذلك لأن الله سبحانه وتعالى أطلق الإطعام ولم يقدر ما يطعم فقال سبحانه وتعالى في كفارته ﴿فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ﴾[المائدة: 89] فبين المدفوع إليه ولم يبين المدفوع فما جرت به العادة أن يكون طعاماً فهو طعام، وقد علم أن الغداء أو العشاء يعتبر إطعام لهم فيقال: أطعمتهم إذا غديتهم، وعلى هذا فأنت الآن يلزمك كفارة يمين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم.
وفي هاتين الحالين: اختلف أهل العلم، هل تجب عليك كفارتان لكل يمين كفارة لاختلاف المحلوف عليه أو تكفيك كفارة واحدة؛ لأن الكفارة من جنس الموجبات لها فلا تتعدد كما لو أحدث الإنسان بعدة أنواع من الحدث، فإن فيه وضوءا واحدًا، يعني: أن الإنسان لو نام وأكل لحم إبل وخرج منه ريح وبول وغائط، فإنه يكفيه وضوء واحد عن هذه الخمسة كلها؛ لأن الموجِب فيها شيء واحد فكذلك الأيمان إذا كان الموجب لها شيئا واحدا، فإنه يكفيه عنها جميعها كفارة واحدة هذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد وإن أتيت بكفارتين لاختلاف الفعلين فهو أحسن وأحوط.
فضيلة الشيخ: بالنسبة لما أفتاه به هذا الشخص يعني كونه يدفع شيئا من المال ؟
الشيخ: قلت في الجواب أنه ليس بصحيح، والنصيحة لهؤلاء الذين يتولون الإفتاء بغير علم أن نقول لهم ولأمثالهم: ليحذروا من هذا العمل المحرم فإن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾[الأعراف: ٣٣] فقرن سبحانه وتعالى القول عليه بلا علم قرنه بالشرك به، ومعلوم أن الشرك أعظم الذنوب وأكبرها، والقول على الله بلا علم يتضمن القول على الله في ذاته والقول على الله في أسمائه وصفاته والقول على الله في أحكامه والقول على الله في أفعاله، وثبت عن النبي - عليه الصلاة والسلام - أنه قال: « من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» فهؤلاء المفتون في الحقيقة يرتكبون إثماً عظيماً، ولا أدري ماذا يحمل هؤلاء المفتين على التسرع في الفتوى وعلى التسابق فيها ما الذي يحملهم مع أن الأمر خطير جدا وعظيم، والمفتي واسطة بين الله وبين عباده في تبليغ شرعه ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ﴾[العنكبوت: ٦٨]، فأنا أنصح هذا الأخ المفتي عن الفتوى بغير علم وأحذره من ذلك هو وغيره أيضاً، وأقول: الحمد لله إذا كنت تعلم وعندك علم فأفتي بما تعلم واستعن بالله - عز وجل - واسأله التوفيق والهداية، وإن كنت لا تعلم فإن عليك الصبر حتى تراجع المسألة وتتبينها من كلام أهل العلم.
ثم إنه ينبغي للإنسان إذا نزلت به نازلة لا سيما النوازل المشكلة أن يلجأ إلى الله سبحانه وتعالى في سؤال التوفيق والصواب، وأن يستغفر الله - عز وجل - عند إيصال الفتوى، وقد استنبط بعض العلماء ذلك من قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً * وَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً﴾[النساء: ١٠٥، 106].