السبت 19 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 24-03-2020

بيان معنى قوله تعالى: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم . . .)

الجواب
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، هذه الآية الكريمة يتبين معناها بمعرفة ما نزلت فيه، وذلك أنهم كانوا أول ما فرض الصيام إذا نام الإنسان منهم، أو صلى صلاة العشاء، حُرّم عليه الأكل والشرب والجماع حتى تغرب الشمس من اليوم التالي، ثم مَنَّ الله تعالى على عباده، فأحل لهم الأكل والشرب والجماع حتى يتبين الفجر، وقال جل ذكره: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ أي: الإفضاء إليهنّ، وهذا يعني الجماع، ثم بين الله سبحانه وتعالى أن المرأة لباس لزوجها، وأن زوجها لباس لها، لأن كل واحد منهما يحصل به تحصين فرج صاحبه، وحمايته، وحفظه، ﴿فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ﴾ أي: باشروا نساءكم بالجماع، ﴿وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ من الولد الصالح، والعمل الصالح في هذه الليلة التي أبيح لكم فيها الجماع بحيث لا يلهيكم الجماع عن طاعة الله عز وجل، ولا تريدوا بجماعهنّ مجرد التلذذ وإدراك الشهوة، فباشروهنّ بالجماع مبتغين ما كتب الله لكم من الأعمال الصالحة والولد الصالح، ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ أي: حتى يظهر لكم بياض النهار من سواد الليل، ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ أي: إلى غروب الشمس، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أقبل الليل من هاهنا - يعني: المشرق - وأدبر النهار من هاهنا - يعني: المغرب - وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم»، ثم لما كان إحلال المرأة ليلة الصيام عامّاً شاملاًَ، خص الله سبحانه وتعالى زمن الاعتكاف لأنه لا يحل للزوج أن يباشر زوجته وهو معتكف، فقال: ﴿وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ والاعتكاف هو التعبد لله سبحانه وتعالى بلزوم المساجد للتفرغ لطاعته، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، واعتكف أزواجه من بعده، ثم بين الله سبحانه وتعالى أن هذه الأحكام المشتملة على المنهيات وعلى الأوامر، لأنها حدود الله، ونهى عن قربانها، والنهي عن القربان يختص بالحدود المحرمة، والنهي عن الاعتداء يختص بالحدود الواجبة، فإذا قال الله سبحانه وتعالى: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا﴾[البقرة: 229] أي: لا تتجاوزوها، فالمراد بها الواجبات، وإذا قال: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا﴾[البقرة: 187] فالمراد بها المحرمات، وهنا يقول عز وجل: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾[البقرة: 187] أي: مثل هذا البيان، يبين الله سبحانه وتعالى آياته الشرعية للناس حتى يعلموها، وتقوم عليهم الحجة بها، وفي آخر الآية دليل على أن الله عز وجل قد بين لعباده كل ما يحتاجون إليه في أمور الشريعة، إما في كتاب الله، وإما في سنة رسوله الله صلى الله عليه وسلم، لكن هذا البيان قد يخفى على بعض الناس، إما لقصوره، وإما لتقصيره، وإلا فإن القرآن كما وصفه الله عز وجل بقوله: ﴿وَنزلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾[النحل: 89] فهذا هو معنى الآية الكريمة.
المصدر:
الشيخ ابن عثيمين من فتاوى نور على الدرب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟