الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه، وبعد:
أولا: ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «جزوا الشوارب وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس» رواه أحمد ومسلم وقال -صلى الله عليه وسلم-: «خالفوا المشركين وفروا اللحى وأحفوا الشوارب» رواه البخاري ومسلم والصحيح أن الأمر للوجوب كما هو الأصل فيه وخاصة إذا احتفت به القرائن كما في هذين الحديثين فمن حلق لحيته فقد أساء وخالف مقتضى الفطرة باتفاق المسلمين وأثم بحلقها والله الموفق.
ثانيا: إعفاء اللحية هو مقتضى الفطرة كما تقدم في الفقرة الأولى وبه جاءت شرائع الأنبياء السابقين كما جاءت به شريعة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- ، وشريعته عامة للخلق، والعمل بها واجب عليهم إلى يوم القيامة، قال الله تعالى في موسى وأخيه هارون -عليهما السلام- وفي قومهما بني إسرائيل لما عبدوا العجل: ﴿وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي * قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى * قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلا تَتَّبِعَنِي أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي * قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي﴾[طه: 90-94] فكان إعفاء اللحية مشروعا في شريعة موسى وهارون -عليهما السلام- ، وجاء عيسى -عليه السلام- مصدقا لما بين يديه من التوراة فكانت اللحية مشروعة في شريعة عيسى -عليه السلام- أيضا، وهم رسل بني إسرائيل (اليهود والنصارى) فلما ترك اليهود والنصارى إعفاء لحاهم كانوا مسيئين كما كانوا مسيئين بترك التوحيد وشرائع أنبيائهم وبنقضهم ما أخذ عليهم من الميثاق أن يؤمنوا بنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- ، فمن عاد من اليهود والنصارى إلى ما اتفقت عليه شرائع الأنبياء كلهم من إعفاء اللحية لم نخالفه في ذلك؛ لأنه رجع إلى شيء من الحق، كما لا نخالفه إذا رجع إلى التوحيد وإلى الإيمان بنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- ، بل نؤيده في ذلك ونحمده منه، ونتعاون معه على البر والتقوى.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.