الجواب
أهل الكتاب هم اليهود والنصارى الذين تسموا بالمسيحيين، هؤلاء هم أهل الكتاب، وإنما سموا أهل كتاب؛ لأن الله تعالى أنزل كتباً على رسله: فأنزل على موسى عليه الصلاة والسلام التوراة التي يدين بها اليهود، وأنزل على عيسى عليه الصلاة والسلام الإنجيل الذي يدين به النصارى. والذين يسمون أنفسهم الآن بالمسيحيين ودين اليهود منسوخ بدين النصارى، أي: إنه يجب على اليهود أن يتبعوا النصارى في دينهم حين كان دين النصارى قائماً، ودين النصارى وغيره من الأديان نسخ بدين الإسلام الذي بعث به النبي -صلى الله عليه وسلم- ، فكان دين الإسلام ناسخاً لجميع الأديان، فلا دين مقبول عند الله إلا الإسلام، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسلام﴾[آل عمران: 19] وهذه الصيغة تقتضي الحصر وأنه لا دين عند الله سوى الإسلام. وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾[آل عمران: 85]. وهذا دليل على أن جميع الأديان غير الإسلام غير مقبولة عند الله، وأن أصحابها في الآخرة خاسرون لا حظ لهم فيها في الآخرة، وهذا لا يكون إلا للكافرين. وعلى هذا فإن النصارى واليهود كلهم ليسوا على دين مقبول عند الله، وإذا كانوا ليسوا على دين مقبول عند الله كانوا كفاراً، ويزول كفرهم بالإيمان بالنبي -صلى الله عليه وسلم- واتباعه، وهم إذا آمنوا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فإن هذا هو مقتضى ما تدل عليه كتبهم، كما قال الله تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾[الأعراف: 156- 158].
فدلت هاتان الآيتان على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- معروف في التوراة والإنجيل، وأنه يجب عليهم الإيمان به واتباعه، وقد قال عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام لقومه: ﴿يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾[الصف: 6]. فبشارة عيسى عليه الصلاة والسلام بالنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- تدل على أنه يجب على أتباعه أن يتبعوه، ولو لم يكن الأمر كذلك ما كان لبشارته به فائدة، بل إن الإنسان لا يبشر إلا بما يعود إليه بالخير، فكل من كفر بالنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- من اليهود والنصارى وغيرهم فإنه كافر بالله؛ لأن الله تعالى أمر جميع العباد أن يؤمنوا به وبرسوله النبي الأمي، وبين أن هذا هو سبيل الفلاح والهدى والرشاد، وأن ما سوى ذلك فإنه ضلال نسأل الله العافية والهداية.