الجواب
نص الحديث كما في صحيح مسلم: «لا تبدأوا اليهود ولا النصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه»، وفي رواية لمسلم: «إذا لقيتم اليهود»، وفي أخرى: «إذا لقيتم أهل الكتاب»، وفي أخرى: «إذا لقيتموهم» ولم يسم أحداً من المشركين، ومعنى الحديث: أنه لا يجوز ابتداء الكافر بالسلام؛ لأن النهي يقتضي التحريم، وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ابتدائهم بالسلام؛ لقوله: «لا تبدؤا اليهود ولا النصارى بالسلام» وأما إذا سلموا، فإنه يرد عليهم: «وعليكم» بدليل ما رواه مسلم في صحيحه: «إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم» وقد بين النووي - رحمه الله - : أن معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - : «فإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروه إلى أضيقه»، فقال: قال أصحابنا: لا يترك للذمي صدر الطريق، بل يضطر إلى أضيقه إذا كان المسلمون يطرقون، فإن خلت الطريق من الزحمة فلا حرج، قالوا: وليكن التضييق بحيث لا يقع في وهدة ولا يصدمه جدار ونحوه. انتهى.
ولا معارضة بين هذا الحديث وبين ما وقع منه - صلى الله عليه وسلم - من المعاملة الحسنة للكفار من زيارة مرضاهم وقبول هداياهم وإعطاء عبد الله بن أبي بن سلول قميصه ليكفن فيه، فإن المعاملة الحسنة يقصد بها تأليفهم ودعوتهم إلى الإسلام وترغيبهم فيه.
وجملة القول في ذلك: أن ما كان من باب البر والمعروف ومقابلة الإحسان بالإحسان قمنا به نحوهم لتأليف قلوبهم، ولتكن يد المسلمين هي العليا، وما كان من باب إشعار النفس بالعزة والكرامة ورفعة الشأن فلا نعاملهم؛ كبدئهم بالسلام تحية لهم، وتمكينهم من صدر الطريق تكريماً لهم؛ لأنهم ليسوا أهلا لذلك لكفرهم، وإذا خيف منهم التلبيس في الحديث أجيبوا بمجمل من القول دون غلظة وفحش، مثل: رد السلام عليهم بكلمة: (وعليكم) وبهذا يجمع بين الأحاديث.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.