الأحد 27 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 24-03-2020

حكم حرص بعض الأولياء على تزويج صاحب الجاه والمال..

الجواب
الذي ينبغي في الزواج أن يُختار صاحب الدين على غيره؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- : «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه» ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم- : «تنكح المرأة لأربع لمالها وحسبها وجمالها ودينها فاظفر بذات الدين» فحث النبي -عليه الصلاة والسلام- على التزوج بصاحبة الدين «فاظفر بذات الدين» وأمر أن يزوج صاحب الخلق والدين «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه» فدل ذلك على مراعاة الدين من الطرفين من جهة الزوجة ومن جهة الزوج وهذا هو الذي ينبغي أن يراعى لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم- به ولأنه - أي صاحب الدين - إن رضي بالمرأة عاشرها بإحسان وإن لم يرض بها فارقها بالمعروف بخلاف من لم يكن صاحب دين فإنه يتعب زوجته تعباً كثيراً وربما لا يطلقها بل يضارُّها وكذلك العكس صاحبة الدين تكون حماية لزوجها وحفظاً وصيانة كما قال الله تعالى: ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ﴾[النساء: 34]ومن لم تكن ذات دين فإنها تتعبه ربما تفسد عليه أمر دينه وربما تفسد أولاده أيضاً؛ لأنها هي المدرسة الأولى بالنسبة لتربية الأولاد.
وعلى هذا: فالعاقل المؤمن يراعي في التزويج بمن كان ذا دين وخلق حتى يكون ذلك أقرب إلى السعادة وإلى الحياة الزوجية الحميدة أما مراعاة المال والجاه والشرف فإنها وإن كانت تراعى بلا شك وتقصد كما قال الرسول -عليه الصلاة والسلام- : «تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها» ولكن هي دون الدين بكثير وبمراحل وربما يتزوج الإنسان امرأة أكمل منه في الحسب والنسب والشرف وتكون وبالاً عليه تترفع عليه وتعتقد نفسها هي السيدة لا هو وحينئذ يتعب معها تعباً كثيراً وكذلك الأمر بالعكس قد يكون الزوج ذا حسب ونسب وشرف وجاه فتتعب الزوجة معه ويتعب أهلها وكأن هذا الرجل الذي تزوج ابنتهم كأنه سيدٌ عليهم وملكٌ عليهم لسبب ما يراه لنفسه من الشرف والجاه فالمهم أن نقول إن مراعاة الدين من الجانبين هي التي أرشد إليها النبي - صلى الله عليه وسلم- وهي التي ينبغي أن تكون مناطاً للرفض أو القبول.
فضيلة الشيخ: الفقرة الأخيرة في نفس السؤال يقول هل للابن أو البنت الرفض وهل يصح العقد مع رفضهما؟
نعم للبنت أن ترفض من لا تريد الزواج به حتى ولو كان أبوها هو الذي يريد أن يزوجها على القول الراجح ولا يحل أن تجبر المرأة على التزوج بمن لا تريد سواء كان المجبر أباها أم غيره لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- : «لا تنكح البكر حتى تستأذن ولا تنكح الأيم حتى تستأمر» وفي صحيح مسلم قال: «البكر يستأذنها أبوها» فنص على البكر ونص على الأب وأما تجويز بعض أهل العلم للأب أن يزوج ابنته بدون رضاها فإنه قول ضعيف ولا دليل عليه لا من أثر ولا من نظر وأما الاستدلال بتزويج أبي بكر -رضي الله عنه- لابنته عائشة للنبي - صلى الله عليه وسلم- فهذا قياس بعيد؛ لأننا لا نجد رجلاً كأبي بكر -رضي الله عنه- في الثقة والأمانة في تزويج ابنته ولا نجد زوجاً كرسول الله - صلى الله عليه وسلم- حيث إننا نعلم علم اليقين أن عائشة -رضي الله عنها- سترضى به ولهذا لما أمر الله نبيه أن يخير زوجاته بالبقاء معه أو بتسريحهن بدأ النبي - صلى الله عليه وسلم- بعائشة -رضي الله عنها- وخيرها وقال لها: «ليس عليك أن تستأمري أبويك - أي ليس عليك بأس أن تشاوريهم - فقالت يا رسول الله أفي هذا أستأمر أبوي إني أختار الله ورسوله» الذي يقيس الآباء في هذا الزمان على أبي بكر -رضي الله عنه- في تزويجه عائشة النبي - صلى الله عليه وسلم- قاس قياساً ليس بصحيح لأن القياس لابد فيه من تساوي الأصل والفرع في العلة والتساوي هنا ممتنع فإكراه بعض الآباء لبناتهم على أن يتزوجن بمن لا يردن هذا محرم عليهم والنكاح ليس بصحيح ويجب التفريق بين المرأة وبين زوجها ولكن أهل العلم يقولون إن المرأة إذا ادعت أنها مكرهة بعد أن دخل الزوج عليها فإن قولها لا يقبل ولا ينفسخ النكاح من أجل دعواها هذه لأن تمكينها من الدخول يدل على أنها راضية اللهم إلا أن تكون بينة على أنها أدخلت عليه قهراً فإنه يبقى الحكم والخيار لها وأما بالنسبة للولد فليس للأب ولا لغيره أن يجبره على أن يتزوج بامرأة لا يريدها ومن نظر في واقع الأمر وجد أن الزواج مع الإكراه والإلزام عواقبه وخيمة فإن بعض الناس نسأل الله لنا ولهم الهداية يلزمون أولادهم الذكور بأن يتزوجوا فلانة إما لقرابتها أو لصداقة بينهم وبين أبيها أو ما أشبه ذلك فيلزمون الولد أن يزوجها وهو لا يريدها وليس بإجبار ولكن تلزيم يخجل الولد من مخالفته وحينئذ تبقى النتيجة وخيمة فالذي أرى وأنصح به أن يبقى الزوج والزوجة أو الخاطب والمخطوبة أن يبقيا أحراراً في اختيار من يريدون نعم لو اختارت البنت رجلاً ليس بكفء في دينه فلأبيها أن يمنعها فلا حرج عليه ولا أثم عليه حتى لو ماتت قبل أن تتزوج وهي لا تريد إلا هذا النوع من الناس فإنه ليس عليه إثم ولا حرج لأنه إنما منعها من أجل عدم الكفاءة.
المصدر:
الشيخ ابن عثيمين من فتاوى نور على الدرب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟