الجواب
لا نرى أن هذا من السنة بل هو من البدعة أن الإنسان إذا أنهى العمرة التي أتى بها حين قدومه أن يذهب إلى التنعيم فيأتي بعمرة أخرى فإن هذا ليس من هدي النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأصحابه، فقد مكث النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأصحابه في مكة عام الفتح تسعة عشر يوما لم يخرج أحد منهم إلى التنعيم ليأتي بعمرة، وكذلك في عمرة القضاء أتى بالعمرة التي أتى بها حين قدم ولم يعد العمرة مرة ثانية من التنعيم، وعلى هذا فلا يسن للإنسان إذا أنهى عمرته التي قدم بها أن يخرج إلى التنعيم ليأتي بعمرة لا لنفسه ولا لغيره وإذا كان يحب أن ينفع غيره فليدع له؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» ولم يقل: ولد صالح يأتي له بعمرة، أو يصوم، أو يصلي، أو يقرأ، فدل ذلك على أن الدعاء أفضل من الأعمال الصالحة التي يهديها الإنسان إلى الميت، فإن كان لابد أن يفعل ويهدي إلى قريبه شيئاً من الأعمال الصالحة فليطف بالبيت وطوافه بالبيت لهذا القريب أفضل من خروجه إلى التنعيم ليأتي له بعمرة؛ لأن الطواف بالبيت مشروع كل وقت، وأما الإتيان بالعمرة فإنما هو للقادم إلى مكة، وليس للذي في مكة يخرج ثم يأتي بالعمرة إلى التنعيم.
فإن قال قائل: ما الجواب عن قصة عائشة - رضي الله عنها - حيث أذن لها الرسول - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أن تذهب وتأتي بعمرة بعد انقضاء الحج ؟
قلنا: الجواب عن ذلك أن عائشة - رضي الله عنها - حين قدا مكة كانت قد أحرمت للعمرة ولكنه أتاها الحيض في أثناء الطريق ولم تتمكن من إنهاء عمرتها، فأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تحرم بالحج لتكون قارنة ففعلت فلما أنهت الحج طلبت من النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أن تأتي بعمرة مستقلة كما أتي بها زوجاته - صلى الله عليه وسلم - قبل الحج فأذن لها مع ذلك كان معها أخوها عبد الرحمن بن أبي بكر-رضي الله عنهما- ولم يأت هو بعمرة مع أن الأمر متيسر، ولم يرشده النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك فإذا وجد حال كحال عائشة - رضي الله عنها - قلنا لا حرج أن تخرج المرأة من مكة إلى التنعيم لتأتي بعمرة، وفيما عدا ذلك لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنه كان يخرج من مكة ليأتي بعمرة من التنعيم لا هو ولا أصحابه فيما نعلم.