الجواب
اعتماد العلماء بفتواهم هذه، على القاعدة المعروفة المشهورة لأهل العلم، والتي دلَّ عليها كتاب الله سبحانه وتعالى، وهو اتقاء أشد الضررين بأخفهما، فإن العلماء لما رَأوا ما حصل للكويت، قالوا: إن هذا الذي حصل للكويت يخشى أن يحصل مثله على السعودية، فالضرر الحاصل به أعظم من الضرر الحاصل بالاستعانة بالكفار، ثم إن هناك تأكيدات نسأل الله أن تحقق، وهى أن هؤلاء الكفار سيرحلون عن البلاد بمجرد ما يزول الخطر، فمن ثم قالوا: إننا ندفع أشدَّ الضررين بأخفهما، وليس هذا من باب الاستعانة التي تكلَّم عليها أهل العلم، بحيث يستعين الجيش المكوَّن من عدد كثير برجل أو رجلين من الكفار؛ لأن الاستعانة- أعنى ما تكَّلم عليه أهل العلم- ، قد لا تصل إلى الحد الذي وصلت إليه الحال فيما استند إليه العلماء بفتواهم.
أما أن هذه الفتوى حصل بها فتنة، وكل تكلم، فهذه هي سُنَّة الفِتَن أن كل واحد يتكلَّم، وأن الناس يكون عندهم هوى يَعصِفُ بالعقول، فينظرون إلى جهة بعين ويعمون عن الجهة الأخرى، فينظرون إلى الواقع بعين أعور، لا يرى إلا من جانب واحد.
وإلا فإن الواجب أن العاقل ينظر إلى الحدث من جميع جوانبه، ولا شك أن كل مؤمن بالله ورسوله، لا يحب أن يرى كافرًا في الجزيرة العربية ولو كان كنَّاسًا في البلدية، فكيف يرضى أن يكون هذه الجيوش العظيمة بأسلحتها وعتَادها في الجزيرة العربية! ولكن كما يقول الأول:
إذا لم يكن إلا الأسنة مركبًا فما حيلة المضطر إلا ركوبها فالعلماء رأوا ما أسلفت من أن وجود هؤلاء من باب اتقاء أشَدِّ الضررين بأخفهما.
والله سبحانه وتعالى قال في كتابه ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾[الأنعام: 108].
فنهى سبحانه عن سَبَّ آلهة المشركين، خوفًا من أن يحصل منهم سب لله- عز وجل - ، مع أن سَبَّ آلهة المشركين لا شك أنه قربى ومأمور به، لكن لما كان يفضي إلى شر عظيم، كان السكوتُ عنه
أولى، وكذلك في الحديث الذي رواه البخاري، قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - لعائشة: «لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لهدمت الكعبة وبنيتها على قواعد إبراهيم وجعلت لها بابين، بابًا يدخل منه الناس وبابًا يخرجون منه» ، لكنه ترك هذا مع ما فيه من المصلحة، من أجل أن القوم حديثو عهد بكفر.
على كل حال نسأل الله أن يجلو هذه الغُمَّه، وأن يبعد الكفار عنَّا وعن بلادنا، وأن يرزقنا القوة الذاتية بإيماننا بالله وامتثالنا لأمره، وأن يجعل في شبابنا خيرًا.