لا يجوز للإنسانِ أنْ يتبرع بشيءٍ من أعضائه لأحد؛ لأن جسدك أمانةٌ عندك، فإذا كانَ لَا يجوز أن تقطعَ أَنْمُلَةً من أُصبع فكيف بالكُلْيَةِ! فإذا قال: أنا أريد أن أنقذ حياةَ هَذَا الرجل المحتاج إلى كلية، قلنا: وهل أنتَ تتيقن أن جسده يقبلُ هَذِهِ الكلية؟ الجواب: لا يمكن اليقين، لكن قد يترجح إلى تسعة وتسعين بالمئة، لكن ما دام هناكَ واحدٌ في المئةِ أنه لا يقبلُها الجسم فإنَّ ذلك يكفي. ثم إنكَ إذا تبرعت بالكلية فقد جنيتَ عَلَى نفسكَ؛ فنحن نعلمُ أنَّ الخلاقَ العليمَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يخلقِ الكُلْيَتَيْنِ عَبَثاً، بل لتوازن الجسم، وتوازن النوافذ لفضلات الماءِ؛ لأنَّ الكُلْيَةَ مثلُ المصفاة للماء، تصفّي الماء وتفرزُ الرديء ينزل إلى المثانة، والنَّافع للجسم يتفرقُ في الدم، فلولا أنَّ للثانية فائدةً كبيرةً لكان خلقها عَبَثًا. ثالثًا: إِذا قُدِّرَ أن الإنسانَ تبرعَ بالكُلْيَةِ، وأصيبت الباقيةُ بشيءٍ، فَإِنَّهُ يهلكُ، فيكون هو السبب في إهلاك نفسه، أما بالنسبة للآخرِ المريض فنقولُ: {لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [يونس: 49]، ومن لم يَمُتِ اليوم فإنه يموتُ غدًا، فَلا يحل لإنسان أن يتبرع بالكُلْيَةِ، فلا يتبرع بأي شيء من جسده؛ لأنهُ إِذا فعلَ ذلكَ فقدْ جَنَى عَلَى نفسه، وأضاعَ الأمانة التي حَمَلَّهُ اللهُ إياها، وصاحبه إذا كانَ اللهُ قد قدَّرَ اللهُ لَهُ الموتَ فربما يكونُ الموتُ خيرًا له، وفي الحديثِ: «اللهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الوَفَاةُ خَيْرًا لي». وقد بلغنا أنه في بعض البلادِ الوثنية يخطفون الأطفال، ويشقون بطونهم، ويأخذونَ الأعضاء؛ الكبد والكلى، وهذهِ مفسدةٌ عظيمة، كذلك أيضًا سمعنا أن بعض الناس يتعجل موتَ المريض ليأخذ أعضاءه ويقولُ: مات موتا دماغيَّا، وأنا ما أدري عَن هَذَا شيئًا. والخلاصة: أنني أرى أن التبرع بأي عضو من أعضائِكَ حرام، وأما التبرع بالدم فهذا لَا بَأْسَ به؛ لأنَّ الدمَ إِذا سُحِبَ مِنَ الإنسانِ خلفَهُ دَمٌ في الحال، أما العضو فما يخلفه عضو.
المصدر:
[دروس وفتاوى من الحرمين الشريفين للشيخ ابن عثيمين (14 / 614)]