الجواب
كان أهل العلم والخبرة بالجهات من المسلمين يعرفون جهة الكعبة ليلاً بالقطب الشمالي وغيره من النجوم، وبالقمر طلوعاً وغروباً، ونهاراً بالشمس طلوعاً وغروباً، وبغير ذلك من أنواع الدلالات الكونية، قبل أن يوجد ضبط الجهات بآلة ضبط يابانية أو أوربية، فلا تتعين أي آلة منهما لضبط القبلة، ولا تتوقف معرفتها عليها، لكن إذا ثبت لدى أهل الخبرة الثقات من المسلمين أن جهازاً أو آلة تضبط القبلة وتبينها عيناً، أو جهة لم يمنع الشرع من الاستعانة بها في ذلك وفي غيره، بل قد يجب العمل بها في معرفة القبلة إذا لم يجد من يريد الصلاة دليلاً سواها. وبهذا يعرف الجواب عن السؤال الأول والثاني والثالث، فإذا ثبت لدى أهل الخبرة صحة تحديد القبلة بإحدى الآلتين دون الأخرى استعملت الصحيحة دون الأخرى، وإذا ثبت استواؤهما في تحديدها كان المجتهد في التحديد بالخيار في استعمال أيهما شاء، وإذا كانت إحداهما أدق قدمت على الأخرى دون نظر في -كل ذلك- إلى جهة صنعها.
أما معنى قوله تعالى: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾[البقرة: 144] فهو وجوب استقبال عينها لمن يشاهدها حال صلاته، وكذا من أخبره ثقة في مكة، ونحوها بجهة عينها بيقين؛ بناء على تحديدها بمشاهدة، ووجوب استقبال جهتها لمن كان بعيداً عن مكة المكرمة؛ كاليمن والشام ومصر مثلاً؛ لما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لمن في المدينة المنورة ومن والاها شمالاً: «ما بين المشرق والمغرب قبلة».
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.