السبت 19 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 23-03-2020

هل يوصف الله تعالى بالنسيان؟

الجواب
للنسيان معنيان:
أحدهما: الذهول عن شيء معلوم مثل قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾[البقرة: 286]. ومثل قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾[طه: 115]. على أحد القولين، ومثل قوله-صلى الله عليه وسلم-: «إنما أنا بشر كما تنسون فإذا نسيت فذكروني».
وقوله-صلى الله عليه وسلم-: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها». وهذا المعنى للنسيان منتف عن الله -عز وجل- بالدليلين السمعي، والعقلي.
أما السمعي: فقوله تعالى: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾[البقرة: 255] وقوله عن موسى: ﴿قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى﴾[طه: 52]. فقوله: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾[البقرة: 255] أي مستقبلهم يدل على انتفاء الجهل عن الله تعالى، وقوله: ﴿وَمَا خَلْفَهُمْ﴾[البقرة: 255] أي ماضيهم يدل على انتفاء النسيان عنه. والآية الثانية دلالتها على ذلك ظاهرة.
وأما العقلي: فإن النسيان نقص، والله تعالى منزه عن النقص، موصوف بالكمال، كما قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾[النحل: 60]. وعلى هذا فلا يجوز وصف الله بالنسيان بهذا المعنى على كل حال.
والمعنى الثاني للنسيان: الترك عن علم وعمد، مثل قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾[الأنعام: 44]. الآية، ومثل قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾[طه: 115]. على أحد القولين. ومثل قوله-صلى الله عليه وسلم- في أقسام أهل الخيل: «ورجل ربطها تغنيا وتعففا، ولم ينس حق الله في رقابها وظهورها فهي له كذلك ستر». وهذا المعنى من النسيان ثابت لله تعالى -عز وجل- قال الله تعالى: ﴿فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ﴾[السجدة: 14]. وقال تعالى في المنافقين: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾[التوبة: 67]. وفي صحيح مسلم في كتاب الزهد والرقائق عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟
فذكر الحديث، وفيه: «أن الله تعالى يلقى العبد فيقول: أفظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا. فيقول: فإني أنساك كما نسيتني».
وتركه سبحانه للشيء صفة من صفاته الفعلية الواقعة بمشيئته التابعة لحكمته، قال الله تعالى: ﴿وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ﴾[البقرة: 17]. وقال تعالى: ﴿وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ﴾[الكهف: 99]. وقال: ﴿وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً﴾[العنكبوت: 35]. والنصوص في ثبوت الترك وغيره من أفعاله المتعلقة بمشيئته كثيرة معلومة، وهي دالة على كمال قدرته وسلطانه. وقيام هذه الأفعال به سبحانه لا يماثل قيامها بالمخلوقين، وإن شاركه في أصل المعنى، كما هو معلوم عند أهل السنة.
المصدر:
مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين(1/171-174)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟