الأربعاء 23 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 24-03-2020

هل يعمل بسنة عثمان في الأذان الأول مع انتفاء الحكمة منه ؟

السؤال
فضيلة الشيخ العلامة: محمد بن صالح العثيمين سلمه الله.
نتقدم لفضيلتكم بهذا اختلفت طائفتان من المسلمين في المركز الإسلامي والثقافي بـ (....) حول حكم النداء الأول لصلاة الجمعة والحكمة منه، وثار جدال حاد بينهما، يخشى أن يصل إلى درجة الفتنة والفرقة، فطائفة تقول: إن الأذان الأول مشروع، وقد سنه عثمان - رضي الله عنه - حتى يجتمع الناس لصلاة الجمعة، وقد استمر عليه العمل في كثير من بلاد المسلمين إلى يومنا هذا، فنحن نعمل بهذه السنة المأثورة عن ذلك الخليفة الراشد، والعمل بها عمل بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - كما هو معلوم.
وطائفة أخرى تقول: إن الحكمة من العمل بهذا النداء غير قائمة الآن في مسجد المركز، فالأذان الأول في مسجد المركز غير مسموع خارجه، وصوت المؤذن لا يتجاوز أسوار المسجد، فالحكمة منه منتفية، ومن ثم يكون العمل به بدعة، فيكتفى بالأذان عند دخول الإمام وسلامه على المأمومين، ولا داعي للأذان الأول لانتفاء موجبه، واختفاء علته، فما الحكم الشرعي في هذه المسألة في ضوء هذا الاختلاف حتى يعمل به ويصار إليه ؟
الجواب
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين: لا يخفى علينا جميعاً أن الله تعالى قال في كتابه العظيم: ﴿إِنَّ هَاذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾[الأنبياء: 92]. وفي الآية الثانية: ﴿وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾[المؤمنون: 52]. ولا يخفى علينا جميعاً أن من مقاصد الشريعة الإسلامية الاجتماع وعدم التفرق، والائتلاف وعدم الاختلاف، وهذا أمر لا يحتاج إلى أدلة لوضوحه، ومن المعلوم أن المجتهد من هذه الأمة لا يخلو من أجر، أو أجرين، فإن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر، ولا يخفى أن مسائل الاجتهاد لا إنكار فيها إذا كان الاجتهاد فيها سائغاً، ومثل هذه المسألة التي ذكرها السائل من مسائل الاجتهاد، إذ تعارض فيها أصلان:
أحدهما: الاقتداء بأمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ، لأنه من الخلفاء الراشدين الذين لهم سنة متبعة، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة- رضي الله عنهم - فيما نعلم.
والأصل الثاني: أن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - إنما فعل ذلك لعلة غير موجودة في مصلى المركز الذي أشار إليه السائل.
فقد تنازعها أصلان، وحينئذ نقول: إن القول قول أمير هؤلاء الإخوة، لقوله تعالى: ﴿أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الأَخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾[النساء: 59]. فما قاله الأمير في هذه المسألة يجب أن يتبع، ولا يجوز الاختلاف في هذا، فإذا قال الأمير: يؤذن فليؤذن، وإذا قال لا يؤذن فلا يؤذن، والأمر والحمد لله واسع؛ لأن هذا الأذان لم يقل أحد من الناس إنه واجب، لكن الفرقة بين المسلمين لا يقول أحد إنها غير حرام، فإذا كان يتعارض ترك سنة أو وقوع في محرم فلا شك أن ترك السنة أهون من الوقوع في المحرم.
هذا ما أراه في هذه المسألة، ثم إني أنصح إخواني في (....) وغيرها من التفرق من أجل هذا النزاع، وأشكرهم إذ وكلوا الأمر إلى عالم يتحاكمون إليه، ليأخذوا برأيه، فإن هذا من علامات التوفيق، كما قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا﴾[النساء: 83]، فجزاهم الله خيراً على هذا التحكيم، وأسأل الله تعالى أن يوفقهم للعمل به. 20/5/8141 هـ .
المصدر:
مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين(16/127- 129)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟