الأحد 20 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 24-03-2020

هل صحيح أن المحافظة على الصحة يطيل في عُمر الإنسان ؟

الجواب
مضت سنة الله تعالى في خلقه أن يربط المسببات بأسبابها، فربط إيجاده النسل بالجماع، وإنباته الزرع ببذر الحبوب بالأرض وسقيها، والإحراق بالنار، والإغراق أو البلل بالماء إلى غير ذلك من الأسباب ومسبباتها، قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾[الأنبياء: 30]وقال: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا * لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا﴾[النبأ: 14-16] وقال: ﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ﴾[ق: 9-11]وقال: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ﴾[الأنفال: 11]
فهذه الآيات وأمثالها تضمنت أسبابا مادية ومسببات معنوية ومادية ربط الله بينهما وجعل الأولى سببا في الثانية، وكلاهما من خلق الله تعالى وبقضائه وقدره، وهناك أسباب معنوية رتب الله عليها مسببات مادية ومعنوية، وأنشأها بها، وهو قادر على أن يخلق المسببات بدون أسبابها، لكنه سبحانه جرت سنته أن يخلق هذه بتلك، ويوجدها بها، لحكمة يعلمها، قال تعالى: ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ * وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ﴾[هود: 1-3]وقال عن نبيه هود عليه الصلاة والسلام في دعوته لقومه: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾[هود: 52] وقال عن نبيه نوح عليه الصلاة والسلام في دعوته قومه: ﴿يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ * يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾[نوح: 2]وقال تعالى عن رسله عليهم الصلاة والسلام في دعوتهم لأممهم: ﴿قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾[إبراهيم: 10]وقد ذكر سبحانه أن جماعة من المنافقين قالوا عن إخوانهم الذين قتلوا في غزوة أحد: ﴿لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا﴾[آل عمران: 156]فأمر سبحانه رسوله محمدا -صلى الله عليه وسلم- أن يقول لهم: ﴿لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ﴾[آل عمران: 154]فبين أن قتل النفس مرهون بسببه، وأن القتيل ميت بأجله لا قبله ولا بدون سبب، وقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من أحب أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه» رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
وعلى هذا فللرعاية الصحية دورها الفعال في صحة الأبدان ومكافحة الأمراض كما قال السائل، لكن بإذن الله وتقديره على ما سبق في علمه تعالى وبجعله تلك الرعاية سببا لنتائجها وترتيبه مسبباتها عليها بقضائه وقدره حسبما سبق في علمه تعالى، فتبين بهذا أن للأسباب دخلا في مسبباتها من جهة جعل الله لها سببا، ومن جهة أمره سبحانه بالأخذ بها رجاء أن يرتب الله مسبباتها عليها، لا من ذاتها ولا بتأثرها استقلالا في نتائجها، بل بجعل الله لها مؤثرة، ولو شاء الله أن يسلبها خواصها التي أودعها فيها لفعل، كما وقع في سلبه النار خاصتها، فلم تحرق خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، بل كانت بردا وسلاما عليه، وفي سلبه خاصة السيولة والإغراق عن ماء البحر حتى مر موسى عليه الصلاة والسلام وقومه بأمن وسلام، ورد تلك الخاصة إليه عند مرور فرعون ومن معه فأغرقهم، والمسببات مرهونة بأسبابها قضاء وقدرا، حتى الآجال طولا وقصرا مع الرعاية والإهمال على مقتضى ما سبق في علمه تعالى، فقول السائل: (إن الرعاية لا دخل لها في الآجال) ليس بصحيح على وجه الإطلاق، فإن لها دخلا في ذلك على ما تقدم بيانه.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
المصدر:
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(24/384)
عبد الله بن قعود ... عضو
عبد الله بن غديان ... عضو
عبد الرزاق عفيفي ... نائب الرئيس
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الرئيس

هل انتفعت بهذه الإجابة؟