الإثنين 21 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 16-09-2023

نسي التشهد الأول ثم رجع إليه فهل تبطل الصلاة ؟

الجواب

يقولون: إن الجهل المُركب شرٌّ من الجهل البسيط، فالجهل المركب أن الإنسان لا يدري؛ ولا يدري أنه لا يدري، وها هي المصيبة؛ يُفتيك شخص بأمر ليس عنده به علم لا من كتاب الله، ولا من سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا من قول عالم أخذه عنه متأكدًا منه، فيُفتي بغير علم فَيَضِلُ هو ويُضِلُّ غيره.

أقول: إن هذا الأخ الذي أفتاهم ببطلان الصلاة، ووجوب الإعادة، ليس عنده في ذلك دليل، ومثل هذه الصورة إذا قام الإمام عن التشهد الأول حتى استتم قائمًا، فإنه يحرم عليه أن يرجع؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قام عن التشهد الأول ذات يوم فسبَّحوا به فمضى، ولم يرجع، فلما قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه سجد سجدتين ثم سلم.

فهذا هو الواجب إذا قام الإمام عن التشهد الأول حتى استتم قائما، فإن رجوعه محرم ولا يجوز، لكن إذا رجع كما في هذا الإمام الذي سبحوا به فرجع إن كان عالما أن رجوعه محرم فإن صلاته باطلة، حتى وإن لم يعلم أن الصلاة تبطل بذلك، وما دام علم أن صلاته باطلة؛ لأن رجوعه محرم، فإن صلاته تبطل، فإن كان لا يدري أن رجوعه محرم، وظن أن ذلك هو الواجب عليه فإن صلاته لا تبطل، وصلاته صحيحة، وما عليه إلا أن يسجد للسهو بعد السلام من أجل الزيادة التي زادها وهي القيام.

هذا هو حكم هذه المسألة.

وبهذه المناسبة وهي قولنا: إن الإنسان إذا علم بالمحرم أُلِّزم بحكمه وإن لم يعلم بعقوبته؛ بهذه المناسبة أقول: إنني سُئلت عن رجل جامع زوجته في نهار رمضان وهو يدري أنه محرم، لكن لا يدري أنه يجب عليه بذلك كفارة عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا، فهل نقول: هذا الرجل لا يجب عليه شيء؛ لأنه جاهل، وقد قال الله تعالى: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: ٢٨٦] نقول: لا، إن هذا الرجل يلزم بالكفارة؛ لأنه تعمد ارتكاب المعصية، وكونه عليه كفارة أو غير كفارة هذا أمره إلى الله ورسوله وليس إليه، فهو مُلزم بأن يطيع ولا يتجرأ على المحرم، فإذا تجرأ عليه أُلزم بما يترتب عليه، سواء كان عالما به أم لم يعلم.

وعلى هذا فنقول: هذا الذي جامع زوجته في نهار رمضان وهو يعلم أن ذلك محرم يجب عليه أن يُكفِّر، وإن كان لا يدري بوجوب الكفارة؛ لأنه تجرأ على المعصية عن علم، فليس بمعذور.

نظير ذلك لو زنى رجل -والعياذ بالله- بامرأة، وهو محصن -يعني: قد تزوج وجامع زوجته وأحصن- فإنه يجب أن يرجم بالحجارة حتى يموت، وما يقتل بالسيف، فيوقف أمام الناس ويؤخذ حجارة صغيرة مثل التمرة أو شبهها ويرجم بهذه الحجارة حتى يموت.

فهذا الزاني -مثلا- لو قال: إنه يعلم أن الزنا محرم، ولكن ما علم أن عقوبته الرجم، فلو علم أن عقوبته الرجم ما زنى، قلنا: هذا ليس بعذر، فيقام عليك الحد؛ لأنك ارتكبت المعصية، ولم تخشَ الله -عز وجل- والذي يترتب على فعلك أمره إلى الله، وليس بشرط أن تعلم العقوبة، فالمهم أن تعلم الحكم، فإذا أقدمت على الشيء وقد علمت بحكمه ألزمت بما يقتضيه.

المصدر:

[دروس وفتاوى من الحرمين الشريفين للشيخ ابن عثيمين (13/235-237)].


هل انتفعت بهذه الإجابة؟