الأحد 20 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 23-03-2020

معنى المعية والقيام

الجواب
ف أن الله سبحانه ذكر في كتابه معيتين: عامة، وخاصة.
الأولى: في قوله سبحانه: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾[الحديد: 4]
والثانية: في قوله سبحانه: ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾[التوبة: 40] وقوله: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾[طه: 46] وما أشبههما من الآيات، والذي عليه أهل السنة في ذلك أن الله سبحانه موصوف بالمعية على الوجه الذي يليق بجلاله، مع إثبات استوائه على عرشه وعلوه فوق جميع خلقه، وتنزيهه عن مخالطته للخلق، فهو سبحانه علي في دنوه قريب في علوه، فوصفه بالمعية لا ينافي وصفه بالعلو على الوجه الذي يليق به من غير أن يشابه خلقه في شيء من صفاته، ولما كانت الجهمية والمعتزلة يحتجون بآيات المعية على إنكار العلو، ويزعمون أنه سبحانه بكل مكان، أنكر عليهم السلف ذلك، وقالوا: إن هذه المعية تقتضي علمه بأحوال عباده واطلاعه عليهم مع كونه فوق العرش، ولهذا بدأ آيات المعية العامة بالعلم وختمها بالعلم؛ تنبيها لعباده على أن مراده سبحانه من إخباره بالمعية إشعار عباده بأنه يعلم أحوالهم ويطلع عليهم، ولهذا فسر أكثر السلف آيات المعية بالعلم، وحكى بعض أهل العلم إجماع أهل السنة على تفسير آيات المعية بالعلم وإبطال رأي الجهمية والمعتزلة في تفسيرها بأنه في كل مكان، وإنكارهم العلو والاستواء -قاتلهم الله أنى يؤفكون- وبهذا تعلم أن تفسير المعية بالعلم ليس هو قول الشيخ تقي الدين وحده بل هو قول أهل السنة، وقد ذكر -رحمه الله- في الواسطية ما يدل على وجوب الإيمان بأن وصف الله سبحانه بالعلو والمعية حق على حقيقته لا يحتاج إلى تحريف، ولكن يصان عن الظنون الكاذبة إلى آخره فراجعه إن شئت، ومراده -رحمه الله- أنه يجب إثبات المعية والعلو فوق العرش على وجه يليق بالله لا يشابه فيه خلقه. قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ﴾[المجادلة: 7] الآية. ما نصه: (ولهذا حكى غير واحد الإجماع على أن المراد بهذه الآية معية علمه تعالى ولا شك في إرادة ذلك) انتهى.
ولا ينافي ذلك تفسير المعية بالعلم؛ لأن ذلك هو مقتضاها ولازمها فهي حق، ومقتضاها: علم الله بأحوال عباده واطلاعه عليهم، وأما كيفيتها فلا يعلمها إلا الله كسائر الصفات، فإن أهل السنة يؤمنون بأسماء الله وصفاته، ويعلمون معانيها، ولكن لا يعلمون كيفيتها بل لا يعلم كيفية صفاته إلا هو، كما لا يعلم كيفية ذاته إلا هو تعالى وتقدس عما يقوله النفاة والمشبهون علوا كبيرا، ولهذا قال مالك -رحمه الله- وغيره من أهل السنة: الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب. وهكذا يقال في سائر الصفات والله أعلم.
المصدر:
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز(2/89-91)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟