الجواب
أ- كلمة (يد) في النصوص المذكورة في فقرة (أ) يراد بها معنى واحد هو: إثبات صفة اليد لله تعالى حقيقة على ما يليق بجلاله دون تشبيه ولا تمثيل لها بيد المخلوقين، ودون تحريف لها ولا تعطيل، فكما أن لله تعالى ذاتا حقيقية لا تشبه ذوات العباد، فصفاته لا تشبه صفاتهم، وقد وردت نصوص أخرى كثيرة تؤيد هذه النصوص في إثبات صفة اليد لله، مفردة ومثناة ومجموعة، فيجب الإيمان بها على الحقيقة، مع التفويض في كيفيتها، عملا بالنصوص كتابا وسنة، واتباعا لما عليه أئمة سلف الأمة.
وأما كلمة (بأيد) في قوله تعالى: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾[الذاريات: 47] فهي مصدر، فعله (آد، يئيد، أيدا) ومعناه القوة، ويضعف فيقال: أيده تأييدا، ومعناه: قواه، وليس جمعا ليد، فليست من آيات الصفات المتنازع فيها بين مثبتة الصفات ومؤوليها، لأن وصف الله سبحانه بالقوة ليس محل نزاع.
وأما معنى الجمل في هذه النصوص، فمختلف باختلاف سياقها، وما اشتملت عليه من قرائن، فقوله: ﴿قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾[المؤمنون: 88] يدل على كمال قدرة الله من جهة جعل ملكوت كل شيء بيده، ومن جهة سياق الكلام سابقه ولاحقه. وقوله: ﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ﴾[آل عمران: 73] يدل على أن الفضل والإنعام إلى الله وحده. وقوله: «يد الله على الجماعة» يراد به: الحث على التآلف والاجتماع والوعد الصادق برعاية الله لهم وتأييدهم ونصرهم على غيرهم إذا اجتمعوا على الحق. وقوله: ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾[الفتح: 10] يراد به توثيق البيعة وأحكامها بتنزيل بيعتهم للرسول منزلة بيعتهم لله تعالى، وذلك لا يمنع من إثبات اليد لله حقيقة على ما يليق به، كما لا يمنع من إثبات الأيدي حقيقة للمبايعين لرسوله-صلى الله عليه وسلم- على ما يليق بهم.
ب- كلمة (بأعيننا وبعيني) في النصوص المذكورة في فقرة (ب) يراد بها إثبات صفة العين لله حقيقة على ما يليق بجلاله من غير تشبيه ولا تمثيل لها بعين المخلوقين، ولا تحريف لها عن مسماها في لغة العرب، فسياق الكلام لا تأثير له في صرف تلك الكلمات عن مسماها، وإنما تأثيره في المراد بالجمل التي وردت فيها هذه الكلمات، فالمقصود بهذه الجمل كلها هو:
أولا: أمر نوح -عليه السلام- أن يصنع السفينة، وهو في رعاية الله وحفظه.
وثانيًا: أمر نبينا محمد عليه الصلاة والسلام أن يصبر على أذى قومه حتى يقضي الله بينه وبينهم بحكمه العدل، وهو مع ذلك بمرأى من الله وحفظه ورعايته.
وثالثًا: إخبار موسى -عليه السلام- بأن الله تعالى قد من عليه مرة أخرى، إذ أمر أمه بما أمرها به ليربيه تربية كريمة في حفظه تعالى ورعايته، ثم يدل على أن لله تعالى عينين كلمة (بأعيننا) في النصوص المذكورة في السؤال، فإن لفظ عينين إذا أضيف إلى ضمير الجمع جمع كما يجمع مثنى قلب إذا أضيف إلى ضمير مثنى أو جمع، كما في قوله تعالى: ﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾[التحريم: 4]، ويدل على ذلك أيضا ما ورد في حديث النبي-صلى الله عليه وسلم- عن الله وعن الدجال من أن الدجال أعور، وأن الله ليس بأعور، فقد استدل به أهل السنة على إثبات العينين لله سبحانه.
ج- كلمة (وجه الله) في الجملة الأولى يراد بها قبلة الله كما ذكر مجاهد والشافعي رحمهما الله تعالى، فإن دلالة الكلام في كل موضع بحسب سياقه، وما يحف به من قرائن، وقد دل السياق والقرائن على أن المراد بالوجه في هذه الجملة (القبلة)؛ لقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾[البقرة: 115]، فذكر تعالى الجهات والأماكن التي يستقبلها الناس، فتكون هذه الآية كآية ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا﴾[البقرة: 148]، وإذن فليس الآية من آيات الصفات المتنازع فيها بين المثبتة والنفاة، وأما كلمة (وجه) في الجمل الباقية في السؤال، فالمراد بها إثبات صفة الوجه لله تعالى حقيقة على ما يليق بجلاله سبحانه؛ لأن الأصل الحقيقة ولم يوجد ما يصرف عنها، ولا يلزم تمثيله بوجه المخلوقين، لأن لكل وجها يخصه ويليق به.