الأربعاء 23 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 25-03-2020

متى يهجر صاحب البدعة ؟

الجواب
البدع تنقسم إلى قسمين: بدع مكفرة، وبدع دون ذلك. وفي كلا القسمين يجب علينا نحن أن ندعو هؤلاء الذين ينتسبون إلى الإسلام ومعهم البدع المكفرة وما دونها إلى الحق؛ ببيان الحق دون أن نهاجم ما هم عليه إلا بعد أن نعرف منهم الاستكبار عن قبول الحق؛ لأن الله -تعالى- قال للنبي - صلى الله عليه وسلم- : ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام: 108] فندعو أولًا هؤلاء إلى الحق ببيان الحق وإيضاحه بأدلته، والحق مقبول لدى كل ذي فطرة سليمة، فإذا وجد العناد والاستكبار فإننا نبين باطلهم، على أن بيان باطلهم في غير مجادلتهم أمر واجب. أما هجرهم فهذا يترتب على البدعة، فإذا كانت البدعة مكفرة وجب هجره، وإذا كانت دون ذلك فإننا نتوقف في هجره؛ إن كان في هجره مصلحة فعلناه، وإن لم يكن فيه مصلحة اجتنبناه، وذلك أن الأصل في المؤمن تحريم هجره لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- : «لا يحل لرجل مؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث» فكل مؤمن وإن كان فاسقًا فإنه يحرم هجره ما لم يكن في الهجر مصلحة، فإذا كان في الهجر مصلحة هجرناه؛ لأن الهجر حينئذ دواء، أما إذا لم يكن فيه مصلحة أو كان فيه زيادة في المعصية والعتو، فإن ما لا مصلحة فيه تركه هو المصلحة.
فإن قال قائل: يرد على ذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- هجر كعب بن مالك وصاحبيه الذين تخلفوا عن غزوة تبوك ؟
ف أن هذا حصل من النبي - صلى الله عليه وسلم- ، وأمر الصحابة بهجرهم لأن في هجرهم فائدة عظيمة، فقد ازدادوا تمسكًا بما هم عليه حتى إن كعب بن مالك -رضي الله عنه- جاءه كتاب من ملك غسان يقول: فيه بأنه سمع أن صاحبك -يعني الرسول - صلى الله عليه وسلم- قد جفاك وأنك لست بدار هوان ولا مذلة فالحق بنا نواسك. فقام كعب مع ما هو عليه من الضيق والشدة وأخذ الكتاب وذهب به وأحرقه في التنور. فهؤلاء حصل في هجرهم مصلحة عظيمة، ثم النتيجة التي لا يعادلها نتيجة أن الله أنزل فيهم قرآنًا يتلى إلى يوم القيامة قال -تعالى- : ﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [التوبة: 117- 118].
المصدر:
مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين(2/293- 294)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟