الإثنين 21 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 23-03-2020

كيف نجيب على تمسك أهل الكتاب بآيات من القرآن تدل على صحة ما جاء في التوراة والإنجيل؟

السؤال
فتوى رقم(11419)
قد أرسل صاحبي إلي نشرة أرسل إليكم نسخة منها، أرجو الإجابة على ما يلي:
يقول المبشر المذكور: القرآن يشير بكل صراحة إلى الإنجيل والنصارى، القرآن يذكر أن الإنجيل فيه الهداية والنور (5 46) (المائدة)، القرآن يقول إن الإنجيل هداية للبشرية جمعاء (3 34) (آل عمران)، القرآن يقول: إن اليهود والنصارى يقرؤون الكتب السماوية (2 113) (البقرة)، ويقول القرآن: إن النصارى يقضى لهم بموجب الإنجيل (5 47) (المائدة)، إذا كان محمد لديه شك حول القرآن، فالقرآن يقول: إنه ينبغي له أن يرجع إلى أهل الكتاب (اليهود والنصارى) (10 / 95) (يونس)، لم يذكر القرآن قط أن الإنجيل حرف أو أنه غير جدير بالثقة فيه، لو كان الإنجيل محرفا كما يزعم كثير من المسلمين لما قال القرآن: إن النصارى أهل الكتاب وإنهم يقرؤون الكتاب السماوي ولو كان الإنجيل محرفا أو مرفوعا إلى السماء كما يقول كثير من المسلمين لما نصح القرآن وأشار على النصارى بأن يحكموا الإنجيل؛ لأنه لا يعقل أن يشير القرآن على النصارى بتحكيم إنجيل حرف أو إنجيل رفع إلى السماء، لو كان كتاب أهل الكتاب محرفًا لما أشار القرآن على محمد أن يرجع إلى أهل الكتاب، وهل كان محمد في شك من القرآن)؟
الجواب
القرآن يشير بكل صراحة إلى الإنجيل والنصارى، ويذكر أن الإنجيل فيه الهداية والنور (5 46) وأنه هداية للبشرية جمعاء (3 34)؟
ذكر الله تعالى الإنجيل في القرآن وأمر أهله أن يحكموا بما أنزل الله فيه ومما أنزل الله فيه البشارة ببعثة محمد-صلى الله عليه وسلم- ووجوب الإيمان به، بل أخذ الله الميثاق على كل نبي أن يؤمن بكل رسول أرسله الله تعالى بعده، فوجب على عيسى -عليه السلام- وأمته أن يؤمنوا بمحمد-صلى الله عليه وسلم- حين مبعثه وبما جاء به؛ لعموم رسالته، قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ [المائدة: 48] فأخبر سبحانه أنه أنزل القرآن مصدقا لما قبله من الكتب السماوية مهيمنا عليها يثبت منها ما شاء الله إثباته وينسخ منها ما شاء سبحانه، وأثنى سبحانه على من آمن به من أهل الكتاب -اليهود والنصارى- وذم منهم من لم يؤمن به، ونقض ما أخذ عليه من العهد والميثاق وفسق عن أمر ربه، قال الله تعالى ﴿وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ * لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ﴾[آل عمران: 110- 111] إلى أن قال سبحانه ﴿لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ﴾[آل عمران: 113- 115] وقال تعالى: ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ * فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ﴾[المائدة: 82-85] وقال تعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾[التوبة: 29] إلى أن قال: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾[التوبة: 31] إلى غير ذلك من الآيات التي نزلت في الثناء على من آمن منهم بمحمد-صلى الله عليه وسلم- وذم من كفر به.
ثم الإنجيل الذي أنزله الله تعالى على عيسى عليه الصلاة والسلام هو الذي بشر برسالة محمد-صلى الله عليه وسلم- فلم يؤمنوا برسالته، ومع ذلك احتججتم بالقرآن الذي أنزله الله عليه، وآمنتم بصلب اليهود عيسى ابن مريم وقتلهم إياه، وزعمتم أن ذلك في الإنجيل فكذبكم الله كما كذب اليهود في ذلك بقوله سبحانه في محكم كتابه: ﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ﴾[النساء: 157] وزعمتم أن المسيح عيسى ابن مريم ابن الله، تعالى الله أن يكون له ولد فكذبكم في ذلك، بل كفركم بقوله سبحانه ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾[المائدة: 17] الآية، وزعمتم أنه إله مع الله فكفركم سبحانه في ذلك بقوله: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾[المائدة: 73] الآيات، وزعمتم أن الخنزير حلال أكله وتعبدتم بالرهبانية وكل ذلك ليس في الإنجيل، بل هو دين لم يأذن به الله ولا شرعه، فبعد هذا وأمثاله من افترائكم تدعون أن الإنجيل لم يحرف ولم تخفوا منه شيئا ولم تزيدوا فيه شيئا، ثم بعد تحاولون أن تحتجوا بالقرآن لإثبات مزاعمكم وبدعكم فتتبعون ما تشابه من القرآن وتتركون محكمه ابتغاء الفتنة وليا بألسنتكم وطعنا في الدين قال الله تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾[المائدة: 15] الآيات إلى آخر آية: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ﴾[المائدة: 19] وقال: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ﴾[النساء: 171] إلى قوله سبحانه: ﴿لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ﴾[النساء: 172] الآية فإن لم تفعلوا كنتم ممن قال الله فيهم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا﴾[النساء: 150].
المصدر:
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(3/335-340)
عبد الله بن غديان ... عضو
عبد الرزاق عفيفي ... نائب رئيس اللجنة
عبد العزيز بن عبد الله بن باز. ... الرئيس

هل انتفعت بهذه الإجابة؟