الجواب
كون هؤلاء يضربون أنفسهم بالحديد أو غير الحديد ولا يتأثرون بذلك فإن هذا لا يدل على صدقهم، ولا على أنهم من أولياء الله، ولا على أن هذا كرامة لهم، وإنما هذا من أنواع السحر الذي يسحرون به أعين الناس، والسحر يكون في مثل هذا وغيره، فإن موسى عليه الصلاة والسلام لما ألقى سحرة فرعون حبالهم وعصيهم صارت من سحرهم يخيل إليه أنها تسعى، وأنها حيات وأفاعٍ كما قال الله -عز وجل-: ﴿سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ﴾[الأعراف: 116] فهذا الذي يفعلونه لا شك أنه نوع من أنواع السحر وأنه ليس بكرامة.
واعلم - رحمك الله - أن الكرامة لا تكون إلا لأولياء الله، وأولياء الله هم الذين اتقوه واستقاموا على دينه وهم من وصفهم الله بقوله: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾[يونس: 62- 63]
وليس كل من ادعى الولاية يكون وليًا، وإلا لكان كل واحد يدعيها، ولكن يوزن هذا المدعي للولاية بعمله، إن كان عمله مبنيًا على الإيمان والتقوى فإنه ولي، لكن مجرد ادعائه أنه من أولياء الله ليس من تقوى الله -عز وجل- لأن الله تعالى يقول: ﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾[النجم: 32].
فإذا ادعى أنه من أولياء الله فقد زكى نفسه، وحينئذ يكون واقعًا في معصية الله وفيما نهاه الله عنه وهذا ينافي التقوى.
وعلى هذا فإن أولياء الله لا يزكون أنفسهم بمثل هذه الشهادة، وإنما هم يؤمنون بالله ويتقونه ويقومون بطاعته على الوجه الأكمل، ولا يقرون الناس ويخدعونهم بهذه الدعوى حتى يضلوهم عن سبيل الله.