الإثنين 21 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 25-03-2020

حكم فوائد البنوك في بلاد الغرب إذا كانت الفوائد غير محددة

السؤال
الفتوى رقم(5225)
دار حديث بيني وبين مسلمين أمريكيين ومهاجرين، في الصيف الماضي في أمريكا أثناء زيارتي لأحد أقاربي هناك، كان مجال الحديث عن الربا، وعن المعاملات المصرفية هناك، وعن الفوائد، وهل تعتبر ربا أم لا؟ فالربا حرام، وهذا ما قاله الجميع، ولكن الاختلاف هل الفوائد المتغيرة أسبوعية أو شهرية أو سنوية، التي تصرفها البنوك هناك نتيجة الاستثمار في كافة المشاريع حلال أم حرام، أم جائزة، وهل هي ربا أم لا؟
ودار الحديث عن المشاريع، ومدى نفعها للإنسان، وعن أمريكا الغنية، وعن صرف رواتب للعاطلين، حتى يجدوا أعمالا، وليس هناك محتاج يقترض، وليس هناك استغلال من البنك أو المقترض، فضلا عن قيمة الأوراق المالية، واختلافها عن الذهب والفضة ذات القيمة المستقرة، إن لم تزد باستمرار، والمهم أننا لم نصل إلى رأي موحد، ولكن الموضوع مهم؛ فلهذا أطلب الرأي السديد في هذا الموضوع، مع العلم بعدم وجود بنك إسلامي هناك، وليس من المعقول الاستثمار في بنك إسلامي في مصر مثلا معتبرين بعد المسافة بين البلدين، فضلا عن كون إقامة هؤلاء المسلمين في أمريكا.
الجواب
الربا محرم بنوعيه: ربا النسيئة، وربا الفضل، بالكتاب والسنة والإجماع، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً﴾[آل عمران: 130] وقال تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾[البقرة: 275] وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾[البقرة: 278- 279] وثبت في الحديث الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- «لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: "هم سواء»، وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- ، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الفضة بالفضة إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائبا بناجز» رواه البخاري ومسلم وبهذا يعلم أن الفوائد التي تعطى للمستفيد بنسب مئوية من رأس المال سواء الأسبوعية أو الشهرية أو السنوية جميعها من الربا المحرم الممنوع شرعا، وسواء تغيرت النسبة أو لم تتغير.
أما المشاريع الاستثمارية المقامة على أسس صحيحة شرعية، كشركة المضاربة، فلا بأس بها؛ لأنها من الأعمال المباحة المرغب فيها، قال تعالى: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[الجمعة: 10]
وأما صرف رواتب للعاطلين من الزكاة فهذا شيء واجب ومفروض في أموال الأغنياء من المسلمين لإخوانهم الفقراء؛ إذا كانوا عاجزين عن الكسب، ولم يجدوا عملا، أو قل كسبهم عن كفايتهم، فيعطون تمام ذلك، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾[التوبة: 60] الآية. وأما مسألة عدم الاستغلال من البنك أو المقترض فليست المسألة هنا مسألة استغلال، ولكن مسألة تحليل وتحريم، فالله سبحانه يقول: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾[البقرة: 275] ولم يحدد ربحا معينا، فكيف تقتحم أبواب الربا بحجة عدم الاستغلال، ويترك أمر الله وشرعه، ويخالف مقتضى الدين الإسلامي الذي هو الاستسلام لله والخضوع لأوامره. وأما الأوراق النقدية فقد صدر فيها قرار من هيئة كبار العلماء، صدر بالأكثرية، وهذا مضمونه:
إن هيئة كبار العلماء تقرر بأكثريتها أن الورق النقدي يعتبر نقدا قائما بذاته، كقيام النقدية، فإن الورق النقدي السعودي جنس، وإن الورق النقدي الأمريكي جنس، وهكذا كل عملة ورقية جنس مستقل بذاته، وإنه يترتب على ذلك الأحكام الشرعية الآتية: أولاً: جريان الربا بنوعيه فيها كما يجري الربا بنوعيه في النقدين الذهب والفضة، وفي غيره من الأثمان، كالفلوس، وهذا يقتضي ما يلي: أ- لا يجوز بيع بعضه ببعض أو بغيره من الأجناس النقدية الأخرى من ذهب أو فضة أو غيرهما نسيئة مطلقا، فلا يجوز مثلا بيع الدولار الأمريكي بخمسة أريلة سعودية أو أقل أو أكثر نسيئة. ب- لا يجوز بيع الجنس الواحد منه بعضه ببعض متفاضلا، سواء كان ذلك نسيئة أو يدا بيد، فلا يجوز مثلا بيع عشرة أريلة سعودية ورق بأحد عشر ريالا سعوديا ورقا. جـ- يجوز بيع بعضه ببعض من غير جنسه مطلقا، إذا كان ذلك يدا بيد، فيجوز بيع الليرة السورية أو اللبنانية بريال سعودي، ورقا كان أو فضة، أو أقل من ذلك أو أكثر، وبيع الدولار الأمريكي بثلاثة أريلة سعودية أو أقل أو أكثر إذا كان ذلك يدا بيد، ومثل ذلك في الجواز بيع الريال السعودي الفضة بثلاثة أريلة سعودية ورق أو أقل أو أكثر، يدا بيد؛ لأن ذلك يعتبر بيع جنس بغير جنسه، ولا أثر لمجرد الاشتراك في الاسم مع الاختلاف في الحقيقة. ثانيًا: وجوب زكاتها إذا بلغت قيمتها أدنى النصابين من ذهب أو فضة أو كانت تكمل النصاب مع غيرها من الأثمان والعروض المعدة للتجارة إذا كانت مملوكة لأهل وجوبها. ثالثًا: جواز جعلها رأس مال في السلم والشركات.
ومسألة عدم وجود بنك إسلامي في أمريكا وبعد المسافة بين القاطنين في أمريكا، والبنوك الإسلامية لا تسوغ التعامل بالربا وتعاطيه، وبإمكان من عنده فضول من الأموال أن يستغلها في عقار أو تجارة من بيع وشراء أو إعطائها لشخص يتجر فيها، بربح معلوم مشاع على الوجه الشرعي. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
المصدر:
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(13/395- 400)
عبد الله بن قعود ... عضو
عبد الله بن غديان ... عضو
عبد الرزاق عفيفي ... نائب رئيس اللجنة
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الرئيس

هل انتفعت بهذه الإجابة؟