الإثنين 21 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 16-10-2023

حكم صلاة التطوع في المسجد الحرام في أوقات النهي

الجواب

نقول: إن العُلَماء -رَحمَهُم اللهُ- اختلفوا في المَسْجِدِ الحرامِ هَلْ فيه نهي عن الصَّلاةِ أو لا؟

فذهبَ بعضُهم إلى أنه لا نهي عن الصَّلاةِ في المَسْجِدِ الحرامِ، واستدلوا بهذا الحديث: (يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لَا تَمنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا البَيْتِ وَصَلَّى فِيهِ أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلِ أَوْ هَارٍ، وقالوا: إِنَّ الشَّرعَ رفَعَ النهي عن الصَّلاةِ في المَسْجِدِ الحرامِ لأجل أَنْ يُكثِرَ النَّاسُ من الصَّلاةِ فيه؛ لأنَّ الصَّلاةَ فيه بِماِئَةِ أَلْفِ صلاة، فوسع الشرع عليهم.

وذهب الجمهورُ إلى خلافِ ذلك، وأن أوقات النهي ثابتة في المَسْجِدِ الحرام وغير المسجد الحرام، وأن المراد بهذا الحديث توجيه ولاة الأمور أو نهي ولاة الأمور في هَذَا المَسْجِدِ الحرامِ أَنْ يمنعوا النَّاسَ مِمَّا أحلَّه الله لهم من طوافٍ أو صلاةٍ.

وعلى هَذَا فيكون قوله: (أَيَّ سَاعَةٍ شَاءَ) مُطْلَقًا مُقَيَّدًا بما دلّتِ النصوص عَلَيْهِ منَ الساعاتِ الَّتِي يُصلَّى فيها، والساعات الَّتِي لَا يُصَلَّى فيها.

وهذا القولُ هُوَ الصوابُ؛ أنَّ قولَه: (أَيّ سَاعَةٍ شَاءَ) لَيْسَ عَلَى عُمُومه في المشيئة، ولكن أنتم يا ولاة الأمورِ في المَسْجِدِ الحرام لَا تَمنعوا أحدًا أَرَادَ أَنْ يطوف أو أرادَ أَنْ يُصَلِّيَ فيه فيما أحلَّه اللهُ له أَيَّةَ ساعةٍ شاء مِن ليل أو نهارٍ.

وعلى هَذَا فَلَا يَجُوزُ التطوع المطلق في أوقات النهي، لا في المَسْجِدِ الحرامِ ولا في غيره.

أمَّا التطوع المقيَّد الَّذِي له سبب كتحيَّة المَسْجِدِ -مثلًا- فإن الإِنْسَانَ يصليها إذا دخلَ المَسْجِدَ سواء في المَسْجِدِ الحرام أو في المساجدِ الأُخْرَى، فإذا دخلتَ فلا تجلس حتّى تُصَلِّيَ ركعتين، وكذلك أَيْضًا لو كَسَفَتِ الشَّمْسُ بعد العصر فإنك تُصَلِّي صلاةَ الكُسوفِ في أي مكانٍ كنتَ؛ لأنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ لها سبب، وكذلك لو توضأت وأردت أن تُصَلِّيَ سُنة الوضوء ولو في وقتِ النهي، فإن ذَلِكَ جائز.

والحاصِلُ أنَّ كل صلاةٍ مُقَيَّدة بسبب فإنَّها تجوزُ في أوقات النهي، هَذَا هُوَ الوقتُ الَّذِي تَجتمع فيه الأدلة، وكذلك أَيْضًا لو صَلَّيْتَ في مَسْجِدك أو في بيتك، ثمَّ أتيتَ إلى مَسْجِدٍ آخَرَ، وهُم يصلُّون فإنك تُصَلِّي معهم ولو في وقت النهي، فلو صليت العصر في مَسْجِدكَ -مثلًا- ثمَّ حضرت إِلى هَذَا المَسْجِدِ ووجدتهم يصلون فادخُلْ معهم وصل معهم؛ لأنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- صَلَّى ذَاتَ يومٍ فِي مَسْجِدِ الخَيْفِ فِي مِنِّى صلاة الصبح، فإذا برجلين قد اعتزلا لم يُصَلِّيا في القوم، فدَعَا بهما -صلى الله عليه وسلم- فجيء بهما تَرْتَعِدُ فَرائِصُهُما هَيبةٌ من الرَّسُول -صلى الله عليه وسلم-، فقال: (مَا شَأْنُكُما؟) يعني: لم تُصَلِّيَا مَعَنا، فقالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، صلَّينا في رِحالنا، فقال: (إِذَا صَلَّيْتُها فِي رِحَالِكُما ثُمَّ أَتَيْتُها مَسْجِدَ الجَمَاعَةِ فَصَلَّيَا مَعَهُمْ؛ فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ).

قَالَ ذَلِكَ بعد صلاة الصُّبح؛ وذلك دليلٌ عَلَى ما أشرنا إليه مِن أن جميعَ النَّوَافِلِ الَّتِي لها أسبابٌ تُفعَل في أوقاتِ النهي، ومِن هَذَا إِذا طاف الإِنْسَان بَعد صلاةِ العصر أو بعد صلاةِ الصُّبْحِ، فإنَّه يُصَلِّي ركعتي الطَّوَافِ؛ لأنّها سُنَّة لها سبب.

والاستخارةُ لَا تُصَلَّى في وقتِ النهي إِلَّا في أمرٍ ضروريٌّ يَفوتُ قبلَ أَنْ يَزُولَ وقتُ النهي، فلا بأس أن تستخير، وإلا فانتظر حتى يخرج وقتُ النهي.

المصدر:

[دروس وفتاوى من الحرمين الشريفين للشيخ ابن عثيمين (13/76-78)].


هل انتفعت بهذه الإجابة؟