الأحد 20 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 24-03-2020

حكم التحاكم إلى العادات والأعراف القبلية

الجواب
يجب على المسلمين أن يتحاكموا إلى كتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- في كل شيء لا إلى القوانين الوضعية والأعراف والعادات القبلية. قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾[النساء: 60]
وقال تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾[المائدة: 50] فيجب على كل مسلم أن لا يقدم حكم غير الله على حكم الله ورسوله كائنا من كان، فكما أن العبادة لله وحده، فكذلك الحكم له وحده، كما قال سبحانه: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ﴾[الأنعام: 57] فالتحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- من أعظم المنكرات وأقبح السيئات، وفي كفر صاحبه تفصيل، قال تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾[النساء: 65]
فلا إيمان لمن لم يحكم الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- في أصول الدين وفروعه، وفي كل الحقوق، فمن تحاكم إلى غير الله ورسوله، فقد تحاكم إلى الطاغوت.
وعلى هذا يجب على مشايخ القبائل، ألا يحكموا بين الناس بالأعراف التي لا أساس لها في الدين، وما أنزل الله بها من سلطان. بل يجب عليهم أن يردوا ما تنازع فيه قبائلهم إلى المحاكم الشرعية، ولا مانع من الإصلاح بين المتنازعين بما لا يخالف الشرع المطهر بشرط الرضا وعدم الإجبار؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما»، كما يجب على القبائل جميعا ألا يرضوا إلا بحكم الله ورسوله.
أما الشهادة فيحرم على من علمها أن يكتمها؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾[البقرة: 282]
وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾[البقرة: 283]
فأداء الشهادة على وجهها إذا احتيج إلى ذلك واجب؛ لأنها وسيلة لإقامة العدل وإحقاق الحق، وكتمها ذنب عظيم، وإثم كبير لما فيه من ضياع الحقوق وإلحاق الضرر بالآخرين، ولما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان.
وكما أن كتمان الشهادة حرام، فكذلك الإتيان بها على غير وجهها الصحيح أو التزوير فيها لأي سبب من الأسباب فهو حرام أيضا، بل ومن الكبائر للذنوب، قال تعالى: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾[الحج: 30] وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين، وكان متكئا فجلس فقال: ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور» متفق على صحته.
وبهذا يعلم أن كتمان الشهادة حرام، و شهادة الزور حرام أيضا، بل ومن الكبائر، كما دلت على ذلك الآيات القرآنية، والأحاديث الصحيحة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
فليتق الله أولئك الذين تجري بينهم تلك العادات السيئة، ويعتبرونها من العادات الحسنة، وعليهم أن يلتزموا بكتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ، وأن يحذروا ما خالف ذلك، وأن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى، مما سلف منهم من المخالفة لشرع الله، وأن يرفعوا ما تنازعوا فيه إلى المحاكم الشرعية والقضاة في بلدهم، ليحكموا فيهم بحكم الله، ويلزموهم بما تقتضيه شريعة الإسلام، ولا يعدلوا عنه إلى غيره.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وأعاذنا جميعا من مضلات الفتن ونزغات الشيطان، إنه سميع قريب. وصلى الله وسلم على نبينا وإمامنا محمد وعلى آله وصحبه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المصدر:
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز(5/142-145)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟