الأربعاء 23 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 24-03-2020

حكم الاستئجار على قراءة القرآن وحكم القراءة على الميت وحكم أخذ الأجرة على ذلك

الجواب
استئجار القارئ ليقرأ القرآن محرم ولا يجوز؛ وذلك لأن قراءة القرآن من العبادات التي يتقرب بها الإنسان إلى ربه، وما كان من باب القربات، فإنه لا يجوز أخذ العوض الدنيوي عليه، ولا يجوز لأحد أن يعطي القارئ أجراً فيعينه على إثمه، لا سيما ما يفعله بعض الناس عند موت الميت، يستأجرون قراءً ثم يعطونهم من تركة الميت، وقد يكون في تركة الميت وصية، وقد يكون له أيتام صغار، وقد يكون عليه دين، فتجدهم يأخذون من هذه التركة أموالاً طائلة من أجل أن يقرأ القارئ -يزعمون- لميتهم، وإني أقول لهؤلاء: إن قراءة هذا القارئ ليس فيها أجر؛ لأنه ما أريد بها وجه الله، والشيء الذي لا يراد به وجه الله ليس فيه أجر، وحينئذٍ لا يكون فيها إلا العناء وبذل المال في غير فائدة، فالواجب على المسلم الحذر من هذا الشيء وعدم القيام به، فالقارئ آثم، والذي يعطيه الأجرة على قراءته آثمٌ أيضاً؛ لأنه من باب التعاون على الإثم والعدوان، وأما أخذ الأجرة على إقراء القرآن -أي على تعليم القرآن- فهذا مختلفٌ فيه، والراجح أنه جائز؛ لأن الإنسان يأخذه على تعبه وعمله لا على قراءته القرآن، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «إن أفضل ما أخذتم عليه أجراً»، أو قال: «أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله». وثبت عنه-صلى الله عليه وسلم- أنه قال للرجل الذي لم يجد مهراً قال: «زوجتكها بما معك من القرآن». أي يعلمها ما معه من القرآن فتبين بهذا أن الاستئجار لقراءة القرآن محرم وفيه إثم، وليس فيه أجر، ولا ينتفع به الميت، وأما الأجرة على تعليم القرآن فالصحيح أنها جائزة ولا بأس بها، بقي أن يقال: لو أن أحداً قرأ للميت بدون أجرة فهل ينتفع الميت بذلك؟ فنقول: إن في هذا خلافٌ بين العلماء، فمنهم من يقول: إن الميت لا ينتفع بأي عملٍ من الأعمال إلا ما جاءت به السنة فقط، كالصدقة مثلاً، والصوم عنه إذا مات وعليه صوم، والحج عنه إذا مات وعليه حج نذر أو فريضة الإسلام، وما لم ترد به السنة فإنه لا ينتفع به الميت؛ لقوله تعالى: ﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلإنْسَانِ إِلا مَا سَعَى ﴾[النجم: 39] وهذا العموم يخصص بما جاءت به السنة، وما عداه فيبقى حكم العموم شاملاً له، وأما العبادات من الأمور التوقيفية فيوقف فيها ما جاءت به الشريعة، ومن أهل العلم من قال: إن الميت ينتفع بذلك؛ لأن الأحاديث التي وردت عن النبي عليه الصلاة والسلام قضايا أعيان، فهي تدل على أن جنس هذا العمل أي العبادة نافعٌ لمن عمل له، وهذا هو مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وهو المشهور من مذهبه وهو أرجح، وقد ذكر الجمل في حاشيته على تفسير الجلالين على قوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلإنْسَانِ إِلا مَا سَعَى﴾[النجم: 39] ذكر عن شيخ الإسلام ابن تيمية أكثر من عشرين وجهاً كلها تدل على انتفاع الميت بعمل الغير له، لكن مع هذا نقول: إنه ليس من الأفضل أن تقرأ القرآن أو تصلي أو تتصدق وتهدي إلى الميت، بل هو من باب الجائز لا من باب الأفضل المطلوب، فالدعاء أفضل منه، الدعاء للميت أفضل من إهداء القرب له، لأن الدعاء هو الذي أرشد إليه النبي-صلى الله عليه وسلم- حين قال: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة، إلا من عملٍ صالح، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» فهنا قال: أو ولد صالح يدعو له، ولم يقل: يعمل له، مع أن الحديث في سياق العمل، ولو كان العمل من الأمور المطلوبة لبينه رسول الله-صلى الله عليه وسلم-.
المصدر:
الشيخ ابن عثيمين من فتاوى نور على الدرب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟