الأربعاء 23 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 24-03-2020

حكم إلزام تجار العقار بتوحيد الأجرة

الجواب
وأقول وبالله التوفيق لا شك أن هذه المسألة من المسائل الشرعية العامة التي قضى فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بحكم الله القاطع الذي ليس لأحد معه رأي ولا اجتهاد ولا استحسان، فالواجب على صاحب المقال وغيره تقوى الله والتعلم والامتثال لحكم الله ورسوله، قال الله تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾[النساء: 65] وقال -عز وجل- : ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾[الأحزاب: 36] وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في خطبته في حجة الوداع: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا» فلا يحل أخذ مال امرئ مسلم بأي وجه من الوجوه إلا بحق شرعي، ومعلوم من قواعد الشرع المطهر لكل ذي علم وبصيرة أن تقييد حرية العقار بأجرة معينة أو نسبة معينة يعتبر ظلما لمالكه وأخذا لماله بغير حق ومصادمة للنصوص الشرعية ومخالفة لأمر الله ورسوله وحكما بغير ما أنزل الله واجتهادا في غير محله.
فالله سبحانه وتعالى هو العليم بمصالح عباده وبعواقب الأمور كلها وهو أحكم الحاكمين وأرحم بالخلق من أنفسهم؛ لذلك شرع لهم من الأحكام ما يصلحهم في كل زمان ومكان، أما ما ذكره صاحب المقال من المشاكل التي يتوقع حصولها بعد إطلاق حرية العقار فهذا استعجال للأمور قبل أوانها، بل إن ذلك من إيحاء الشيطان وتوهيمه كما قال تعالى: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾[البقرة: 268] وقال تعالى: ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾[البقرة: 168- 169]
فالواجب على المسلم أن يكون قوي الثقة بربه سبحانه في جميع أحواله وأموره، حسن الظن به بعيدا عن التوهمات والتوقعات التي تثبطه عن تنفيذ أمر الله والرضى بحكمه، وأن يعتقد اعتقادا جازما أن تطبيق أحكام الشرع المطهر لا ينتج عنه إلا كل خير في العاجل والآجل، بل إن الشر والضرر في عدم تطبيقها أو الإخلال بذلك.
ولقد أحسن صاحب المقال المنشور في الصفحة السادسة من جريدة عكاظ الصادرة في 11\11\1401 هـ بعنوان: (ما هي أبعاد إطلاق حرية العقار مع بداية عام 1403 هـ) فجزاه الله خيرا وأكثر من أمثاله. فإن الدولة وفقها الله ساهمت في حل أزمة العقار مساهمة إيجابية ظهرت آثارها لكل منصف وذلك بالعطاءات السخية من القروض ومنح الأراضي وشجعت على توفير المباني السكنية، وقد استفاد الكثير من المواطنين من صندوق التنمية العقارية وبنك التسليف، كما استفاد أيضا الكثير من التجار والشركات والمؤسسات في بناء الفنادق والأسواق التجارية والمشاريع السكنية؛ وبذلك انحلت الأزمة وتوفرت المساكن والمحلات التجارية وانخفضت الأجور بشكل ظاهر، بل إن كثيرا من المساكن والمحلات مقفل بسبب نزول أسعار البيع والإيجار ولا ينكر ذلك إلا جاهل أو مكابر. أما ما قد يقع من المشاكل بين المؤجر والمستأجر فالمحاكم الشرعية كفيلة بحلها والحمد لله.
وبذلك يعلم أن إطلاق حرية العقار هو الأمر المتعين شرعا وهو الموافق للمصلحة العامة والسياسة الحكيمة.
فنسأل الله أن يوفق ولاة الأمور لكل ما فيه رضاه وصلاح عباده، وأن يصلح أحوال المسلمين جميعا ويرزقهم التمسك بشريعته والثبات عليها إنه جواد كريم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد / عبد العزيز بن عبد الله بن باز
المصدر:
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز(19/369¬-372)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟