الأحد 20 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 24-03-2020

تجارة الآباء بالبنات

الجواب
لا شك أن هذه المسألة التي تقدّمت بها الأخت في الله مسألة جديرة بالعناية، فإن الواجب على الآباء أن يعنوا بأمر البنات، وأن يجتهدوا في تزويجهن على الأكفاء وأن يسهلوا التزويج وألاّ يتكلفوا، فليست المرأة سلعة تباع وتشترى وليست محلاً للتجارة ولكن المقصود التماس الكفء الصالح، الديّن الذي يتولاها ويحسن إليها، فإن ناسبته أحسن إليها وأحسن عشرتها، وإن لم تناسبه لم يظلمها، بل وسّع لها، هذا هو الواجب على الآباء، وعلى الأولياء جميعًا أن يتقوا الله في النساء، وأن يجتهدوا في التماس الأكفاء، وعدم ردّ الخاطب الطيب، وألا يجبروهن على من لا يرضين، لا بدّ من استئذان المرأة، ولا بد من أخذ رضاها، إذا بلغت تسعًا فأكثر؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- ، في الحديث الصحيح: «لا تنكح الأيّم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت»، وفي اللفظ الآخر: «قالوا: يا رسول الله! إنها تستحي؟ قال: إذنها صماتها»، وفي اللفظ الآخر «واليتيمة تستأذن وإذنها السكوت» وفي اللفظ الآخر: «والبكر يستأذنها أبوها وإذنها السكوت» فصرح بالإذن، والأب ليس له الجبر، وهو الأب الذي هو أقرب وليّ، فإذا كان الأب لا يجبر فالبقية من باب أولى، وهذا هو المختار، وذهب بعض أهل العلم: إلى أن الأب يجبر البكر التي لم تزوج، وهذا قول مرجوح، والصواب أنه ليس له الإجبار، بل عليه أن يسترضيها وينصحها ويشير عليها وليس له جبرها ما دامت بلغت تسعًا فأكثر، أما إذا كانت دون التسع فلا بأس أن يزوجها بغير إذنها؛ لأنه أعلم بمصالحها، والدليل على ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم- ، «تزوج عائشة، ولم تستأذن؛ لأنها كانت صغيرة بنت ست أو سبع» كما جاء في الحديث الصحيح زوجها الصديق وهي بنت ست أو سبع، ودخل عليها النبي وهي بنت تسع -عليه الصلاة والسلام- ، فالحاصل أنها إذا كانت دون التسع ورأى الأب من المصلحة أن يزوجها؛ لئلا يفوت الكفء الطيب، لا من أجل المال، بل من أجل المصلحة الدينية فلا بأس أما بقية الأولياء فليس لهم تزويجها، إلا بإذنها ليس لهم أن يزوجها وهي صغيرة قبل التسع، إنما هذا خاص بالأب؛ لقصة عائشة -رضي الله عنها- ، أمّا بقية الأولياء كالإخوة والأعمام ونحوهم، فليس لهم تزويج البنت حتى تكمل تسعًا، حتى تصلح للزواج، ثم لا بد من استئذانها فإن أذنت وإلا لم يجز لهم تزويجها وليس لهم التّعنت في التماس أصحاب المال، وأصحاب التجارة أو الوزارة، والوظائف لا، بل الواجب عليهم ألا يردّوا الخاطب الكفء وإن كان من غير ذوي المناصب، ولهذا جاء عنه - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلاّ تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير» وفي لفظ: «وفساد عريض» وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «تنكح المرأة لأربع لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك» فإذا كان الرجل يؤمر بأن يظفر بذات الدين، هكذا ولي المرأة وهكذا المرأة عليهم الحرص أن يظفروا بذات الدين، وصاحب الدين، فعليها أن تسعى لذلك، وتجتهد في ذلك وتقول لأوليائها أن يلتمسوا ذلك، وعلى وليّها أن يجتهد في ذلك حتى يلتمس الكفء؛ الطيب؛ لأن صاحب الدين ينفعها ولا يضرها بخلاف الفجرة فإنهم يضرونها وقد يجرونها إلى فجورهم، أصحاب الخمور، وأصحاب الفساد شرهم عظيم، فينبغي التحرز منهم حتى لا يضروها، أما الذي لا يصلي فلا يزوّج بالمرأة المسلمة؛ لأن ترك الصلاة كفر أكبر نسأل الله العافية، في أصح قولي العلماء، فالحاصل والخلاصة أن الواجب على الآباء وعلى الأولياء، أن يعنوا بالأكفاء وأن يحرصوا على تزويج البنات، بالرجل الطيب ولو كان فقيرًا، ولو كان بمهر قليل، فالمطلوب عفتها، وصيانتها، ليس المطلوب المكاثرة بالمال، قال تعالى: ﴿وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾[النور: 32] فالمال يأتي به الله سبحانه وتعالى، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم- : «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» ولم يقل إذا خطب منكم ذو المال الكثير، بل أمر الجميع بالزواج، هذا عام للرجال والنساء «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج» فإذا كان الشباب مأمورًا بالزواج، فهي كذلك مأمورة، إذا خطب عليها الكفء عليها أن تُزَوَّجَ، وعليها أن تبادر وعليها أن ترضى، وأن تقبل ولا يجوز لأوليائها منع الزواج، من أجل المال، والمكاثرة بالمال، أو لأسباب لا وجه لها.
المصدر:
الشيخ ابن باز من فتاوى نور على الدرب(20/430- 435)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟