السبت 19 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 23-03-2020

تأويل صفة اليد عند أهل السنة والجماعة

الجواب
ينبغي أن نعلم أن التأويل عند أهل السنة ليس مذموما كله، بل المذموم منه ما لم يدل عليه دليل، وما دل عليه الدليل يسمى تفسيرا، سواء كان الدليل متصلا بالنص، أو منفصلا عنه، فصرف الدليل عن ظاهره ليس مذموما على الإطلاق.
ومثال التأويل بالدليل المتصل ما جاء في الحديث الثابت في صحيح مسلم في قوله تعالى في الحديث القدسي: «عبدي جعت فلم تطعمني، ومرضت فلم تعدني» فظاهر هذا الحديث أن الله نفسه هو الذي جاع وهو الذي مرض، وهذا غير مراد قطعا، ففسر هذا الحديث بنفس الحديث: «فقال: أما علمت أن عبدي فلانا جاع فلم تطعمه، وعبدي فلانا مرض فلم تعده». فالذي صرف ظاهر اللفظ الأول إلى هذا المعنى هو الحديث القدسي نفسه، فلا يقال: إن صرف ظاهر اللفظ الأول إلى هذا المعنى الثاني تأويل مذموم.
وقال تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾[النحل: 98]. ظاهر اللفظ أنك إذا بدأت القراءة لم تستعذ. لكن قد دل الدليل المنفصل على أن معنى: إِذَا قَرَأْتَ أي إذا أردت أن تقرأ. لكن عبر عن الإرادة بالفعل ليبين أن المراد بذلك الإرادة المقترنة بالفعل لا الإرادة السابقة، ولو أراد التعبير بالفعل لكان الإنسان إذا أراد في الصباح أن يقرأ في المساء قلنا له: استعذ بالله من الشيطان الرجيم؛ لأنك ستقرأ في آخر الليل، لكن لما عبر بالفعل عن الإرادة دل على أن الإرادة هي الإرادة التي يقترن بها الفعل.
فإذا فهمنا هذه القاعدة، وهي أن التأويل الذي قام الدليل عليه ليس مذموما عرفنا الجواب عن الآية التي ساقها السائل.
فهل الصحابة في صلح الحديبية كانوا يبايعون الله؟ هم في الحقيقة كانوا يبايعون النبي-صلى الله عليه وسلم- ، مباشرة وذلك في قوله سبحانه: ﴿يُبَايِعُونَكَ﴾[الفتح: 10] لكن لما كان الرسول مبلغا عن الله سبحانه صارت مبايعة الرسول كمبايعة الله، وصار الذي يبايعه كأنما يبايع الله.
وقوله تعالى: ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾[الفتح: 10] المعلوم أن يد الله حقيقة ليست فوق أيديهم، وأن التي فوق أيديهم عند المبايعة هي يد الرسول-صلى الله عليه وسلم- لكن الرسول كان مبلغا عن الله.
ويجوز أن نقول: ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾[الفتح: 10] على سبيل العلو المطلق، فالله سبحانه بذاته فوق كل شيء. والله أعلم.
المصدر:
مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين(1/168-169)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟