الأربعاء 23 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 24-03-2020

بيان الأسباب العملية للحصول على لذة العبادة

الجواب
لا شك أن العبادة لله -عز وجل- ، لها لذة عظيمة في قلب المؤمن والمؤمنة، يقول النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام-: «وجعلت قرة عيني في الصلاة», ويقول لبلال -رضي الله عنه-: «فأرحنا بالصلاة», يعني: أقمها حتى نستريح فيها، فالصلاة هي أعظم العبادات بعد الشهادتين، راحة للقلوب، وقرة عين ونعيم للروح، لمن أقبل عليها وحضر فيها بقلبه، وخشع فيها لله، واستحضر أنها عمود الإسلام، وأنها مناجاة للرب -عز وجل- ووقوف بين يديه، فبذلك يرتاح فيها، وتقر عينه، ويجد لذة لها في نفسه، في قيامه وقراءته وركوعه وسجوده، وسائر ما شرع الله فيها فنصيحتي لكل مؤمن وكل مؤمنة: الإقبال على العبادة من صلاة وغيرها، وإحضار القلب فيها، والشعور بأنه يفعلها لله وحده، يرجو ثوابه ويخشى عقابه، وأن له في ذلك الخير العظيم عند الله -عز وجل- ، إذا أخلص له، وفعلها على وجه السنة، لا على وجه البدعة، فالصلاة، والزكاة، والصدقات، والصيام، والحج والعمرة، والأذكار الشرعية وقراءة القرآن الكريم، والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر كلها عبادات، لها لذة عظيمة في الصدور وراحة في القلوب، ونعيم للروح يتذكر فيها المؤمن أنه يفعل شيئا لله -عز وجل- ، وأنه شيء أمر الله به، وأنه شيء يرضى عنه، فيرتاح لذلك، ويستلذ بذلك وتقر عينه بذلك؛ لما فيه من امتثال أمر الله ولما فيه من الخير العظيم، من جهة الثواب الجزيل من الله، وما يترتب عليه من تكفير السيئات، وحط الخطايا، والفوز بالجنة والنجاة من النار، وهكذا ما يترتب على الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مصلحة العباد، وتوجيههم إلى الخير وإعانتهم على ما شرع الله، وعلى ترك ما حرم الله، فكل هذا مما تستلذه النفوس الطيبة، وترتاح له القلوب وتقر به العيون، عيون المؤمنين والمؤمنات، قال -جل وعلا- في كتابه العظيم، وهو أصدق القائلين: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾[ الأنفال: 2-4]، وقال -عليه الصلاة والسلام-: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل»، وإنما عدل؛ لأنه يخاف الله ويرجوه، «وشاب نشأ في عبادة الله»؛ لما استلذها بعدما عرف ما فيها من الخير، ولما وقر في قلبه من تعظيم الله، والإخلاص له، ومحبته سبحانه والرغبة فيما عنده، «ورجل قلبه معلق بالمساجد»، إنما تعلق بالمساجد؛ لما وجد في الصلاة من الخير والراحة والطمأنينة والنعيم، «ورجلان تحابا في الله؛ اجتمعا عليه وتفرقا عليه»؛ لما يجدان في المحبة في الله من الخير العظيم، وراحة القلوب ونعيم الأرواح، والأنس العظيم؛ لأنهم يعلمون أن هذا يرضي الله، وأن الله شرع لهم ذلك، وأنه يحصل به من الخير العظيم ما الله به عليم من التعاون والتواصي بالحق والتناصح، الخامس: «رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله»، لماذا قال هذا؟ لما وقر في قلبه من محبة الله وتعظيمه وخوفه ومراقبته سبحانه وتعالى، حتى ترك هذه المرأة التي دعته إلى الفجور وهي ذات منصب وجمال، فأبى عليها خوفا من الله، ورغبة فيما عنده، وأنسا بطاعته وتلذذا بما يرضيه سبحانه وتعالى، وهكذا المرأة إذا دعاها ذو منصب وجمال إلى الفاحشة فقالت: إني أخاف الله. وابتعدت عن ذلك؛ لما وقر في قلبها من المحبة لله والنعيم الروحي، واللذة لطاعة الله، واتباع شريعته. السادس: «ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه»، لماذا؟ لما وقر في قلبه من محبة الله وتعظيمه، وأنه سبحانه يعلم كل شيء ولا يخفى عليه خافية، وأنه يحب الإخلاص له ويحب العمل من أجله سرا، فلهذا لا تعلم شماله ما تنفقه يمينه، من عظيم إخلاصه وعظيم رغبته فيما عند الله، وعدم مبالاته برياء الناس وحمد الناس وثنائهم، والسابع: «رجل ذكر الله خاليا»، رجل ذكر الله خاليا، ليس عنده أحد، «ففاضت عيناه» خوفا من الله، وتعظيما له ومحبة له سبحانه، وأنسا به -عز وجل- ، فصار من السبعة الذين يظلهم الله في ظله.
والخلاصة أن الإقبال على الله في العبادة، واستحضار عظمته، وأنك تريد وجهه الكريم، وأنك فعلت هذا ابتغاء مرضاته، وطاعة لأمره، ومحبة له سبحانه، وحرصا على ما يرضيه، ويقرب لديه، كل هذا مما يجعلك تستلذ بالعبادة وتقبل عليها وترتاح لها وتتنعم بها.
أما من يشكو عكس ذلك لقسوة القلب عليه أن يعالج ذلك؛ ليحصل الإكثار من ذكر الله، وقراءة القرآن الكريم، والحذر من الذنوب والمعاصي، والتوبة إلى الله مما سلف، مع الصدق في ذلك، فإذا صدق مع الله بالتوبة من المعاصي، وبالإكثار من ذكر الله وفي الإقبال على عبادته بقلبه، واستحضار عظمة الله، وأنه سبحانه وتعالى يراقبه: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا﴾[ الأحزاب: 52]سبحانه وتعالى، وأن معه ملكين، أحدهما يكتب الحسنات، والثاني يكتب السيئات، باستحضاره هذه الأمور يلين قلبه، ويخشع قلبه، ويستلذ بالطاعة ويرتاح لها ويأنس بها.
المصدر:
الشيخ ابن باز من فتاوى نور على الدرب(8/ 32- 37)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟