الأربعاء 23 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 24-03-2020

الحكم بالعادات القبلية والأعراف الجاهلية

السؤال
الفتوى رقم(18542)
نحن في مجتمع قبلي قد نشأ أفراده على عادات وتقاليد يحكمونها في مشاكلهم، سواء كان الاختلاف في المزارع أو في أراض سكنية، أو مشكلات زوجية، أو في مشاجرات تحدث بينهم، لهم في ذلك قواعد محفوظة في أذهان كبار السن من القبائل، يتحاكمون إليها ويحتجون بأن ذلك من إصلاح ذات البين، وأن ما يجري من دعوى وإجابة من الخصمين وبحضرة الذين يسمون حكاما يقولون: إن هذا ترتيب لا بد منه في حالة الإصلاح، وقد يحكمون بيمين على المنكر، ويقولون: اليمين يحكم بها القاضي في حالة الإنكار. فهم لا يرون بأسا بطريقتهم تلك، وبضغوطهم على من يأبى دفع المبلغ المحكوم به عليه يقولون: كل ذلك نقصد به القضاء على المشكلة. فهل هذا الأسلوب وهذه الوسيلة التي ينتهجونها يعد صلحا شرعيا، وهل لهم في هذا أجر؟ وإذا كان خلاف ذلك نرجو إيضاح صفات المصلحين بين الناس بالطريقة الشرعية الصحيحة؛ حتى نكون على بينة من الأمر. مع العلم بأن بعض الذين يحكمون في مثل هذه المشاكل قد يصوم من كل شهر الاثنين والخميس، ويظن إن كان هناك إثم فإنه بسيط، ويستغفر الله تعالى ويكفي، كما أن من عادات تلك القبائل أنهم يستنكرون رفع المشكلات إلى السلطات الرسمية استنكارا شديدا، مما يجعلهم يقفون يدا واحدة ضد الذي يرفع الشكوى ضد آخر، وأن الحق له بصرف النظر عن ذلك الذي قام بالشكوى، فإنهم يعتبرونه أضاع حقه برفع الشكوى إلى السلطات، ولا يشهدون معه ولا يسمحون له بالحضور في محافلهم مثل الزواج وغيره من المناسبات التي تقام عند القبيلة، وكذلك إذا تعرض لحادثة من حوادث الزمان لا يقفون معه، ومثال ذلك: لو تعرض لدهس شخص وقرر عليه دية، لا يساعدونه فيها حتى يعود إلى القبيلة، ثم يسلم معدال (سيف) أو مبلغا من المال، ثم يسحب شكواه من السلطات الرسمية، ثم يتحاكم إلى عرفاء ومشايخ القبائل، ويحكمون عليه سلفا وحكما مغلظا في الشكوى، سواء كان هو مخطئا أو عليه الخطأ، ثم بعد ذلك يحكمون عليه في الشكوى، وينظرون في المشكلة بعد أخذ حق القبيلة، فإن كان وجده في مجلس ولم يصافحه فيحكمون عليه بألف ريال 1000 وأحيانا أكثر، وإن كان قال له مثلا: كلمة (يا سارق) يحكمون عليه بخمسة آلاف ريال 5000، وهكذا ينظرون في مشاكل أفراد القبيلة، ويحكمون فيهم حكم الأوائل من آبائهم. وأجدادهم. فهل من نصيحة لأولئك القوم، خاصة الذين يعتبرون هذا العمل من الإصلاح بين الناس وتلافي المشاكل بينهم، ويقولون: ذلك من لمم الذنوب، ومما تكفره الصلوات الخمس وغيرها؟ فنرجو من سماحتكم تبيين الجواب في هذه المشكلة.
الجواب
يجب الرجوع في المنازعات والخصومات إلى المحاكم الشرعية، وترك الحكم بالعادات القبلية والأعراف الجاهلية؛ لقول الله تعالى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾[المائدة: 49] وقوله -جل وعلا-: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾[المائدة: 50] وقوله سبحانه: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾[النساء: 59].
وأما الإصلاح بين الناس وتسوية النزاعات بينهم، فهذا أمر حسن ومطلوب، لكن الإصلاح المشروع هو ما لا يكون فيه مخالفة للشرع المطهر، ولا إلزام للممتنع، ورضي به الطرفان من غير إجبار ولا فرض عقوبة معينة، وحصل به حل النزاع وزوال الشحناء، فكل ذلك داخل في قوله سبحانه: ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾[النساء: 128] وقوله سبحانه: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾[الأنفال: 1] وقوله -عز وجل-: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾[النساء: 114].
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
المصدر:
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(1/387-386)المجموعة الثانية
بكر أبو زيد ... عضو
صالح الفوزان ... عضو
عبد الله بن غديان ... عضو
عبد العزيز آل الشيخ ... نائب الرئيس
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الرئيس

هل انتفعت بهذه الإجابة؟