الجواب
هذه الآيات يظهر من سياقها أنها نزلت في المنافقين, الذين يظهرون أنهم مسلمون ولكنهم لا يؤمنون بالإسلام, وإنما يضمرون الكفر, فمن كانت هذه حاله فلا شك أنه داخل في المنافقين, وإنما لم يأمر الله بقتلهم؛ لأن المنافق لا يعامل إلا بظاهر الحال, كما قال النبي عليه الصلاة والسلام حين سئل عن قتل المنافقين: «لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه» ولو ذهبنا نقتل كل من اتهمناه بالنفاق, لكان في ذلك مفسدة عظيمة, ولهذا قال: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ﴾فنحن لا نعلم ما في القلوب, فحكمنا على الظاهر.
هؤلاء المنافقون يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت لكن قد لا يتسنى لهم ذلك؛ لأنهم في دولة قد سيطر عليها الحكم الإسلامي, لكنهم يحبون أن يتحاكموا إلى الطاغوت أي: إلى ما يخالف الشرع,﴿وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً﴾وقد تمكن منهم,﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً﴾ولا يقولون: لا.
لكنهم يصدون ويعرضون دون أن يصرحوا بكلمة«لا » لأنهم لو صرحوا بها لكانوا كفاراً صرحاء.
﴿فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾أي: واطلع عليهم وعلى نفاقهم,«ثم جاءوا يحلفون بالله » جاءوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام يحلفون بالله﴿إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً﴾.
والآية صريحة بأن هؤلاء محكومين وليسوا حاكمين, ولهذا يأتون يعتذرون إلى الرسول عليه الصلاة والسلام: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً﴾.
فهذا الاستدلال صحيح، أن تكون الدعوة بالنسبة للمنافقين بالموعظة والنصيحة، والرسول عليه الصلاة والسلام لم يجد منابذة الولاة إلا إذا رأينا كفراً بواحاً عندنا فيه من الله برهان، فنحن لا نعلم ما في قلب ولي الأمر، وتعرف أن الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله يصرحون لكنهم يعتذرون بأعذار غير صحيحة, وإلا فهم يصرحون, يقولون: نعم نحن نقول هذا ونقول هذا القانون ونعلم أنه يخالف الشرع لكنهم يأتون بأشياء يتأولونها, لكن أولئك المنافقين في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا يصرحون يصدون ويعرضون لكن دون أن يقولوا: لا نقبل.