الأربعاء 23 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 25-03-2020

اشترى سلعة ثم باعها على صاحبها قبل قبضها بأقل من ثمنها فما الحكم؟

الجواب
هذه المسألة يسميها الفقهاء مسألة التورق، وهي مشهورة عند العامة بالوعدة، وهي ما إذا احتاج إنسان إلى نقود، لزواج أو لتعمير بيت أو لقضاء دين أو لأشباه ذلك، ولم يجد من يقرضه فإنه يحتاج إلى أن يشتري سلعًا إلى أجل، ثم يبيعها على الناس بنقد حتى يستفيد من النقد وهذا العقد فيه خلاف بين أهل العلم فمن أهل العلم من قال: إنه لا يجوز لأنه دراهم بدراهم، ولأن المقصود دراهم بدراهم، يروى هذا عن عمر بن عبد العزيز وجماعة، والقول الثاني: أنه لا بأس به ولا حرج فيه وهو من المداينة الشرعية التي قال الله فيها سبحانه: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ﴾[البقرة: 282]، وهذا هو الصواب، وهو داخل في قوله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾[البقرة: 275]، فالصواب أن هذه المعاملة، وهي معاملة التَّورق، التي تسمى الوعدة، صحيحة بالجملة، لكن بشروط: منها أن يكون البائع قد ملك السلعة، لا يبيع شيئًا ليس عنده، وإنما عند الناس، لا يبيع إلا شيئا قد ملكه وحازه في بيته أو في دكانه أو في السوق؛ لأن النبي عليه السلام قال: «لا تبع ما ليس عندك» وقال: «لا يحل سلف وبيع ولا بيع ما ليس عندك» فليس له أن يبيع ما عند الناس، يذهب هو والمشتري يعطيه من عند التجار، لا، بل يشتري أولاً ويحوزه، فإذا حازه في بيته أو في السوق أو في دكانه بعد ذلك يبيع، ثم المشري الذي شراه لا يبيعه على صاحب الدكان ولا على غيره حتى يحوزه أيضًا، حتى ينقله من السوق أو إلى بيته، أو إلى دكانه ثم يبيعه، وبهذا يُعلم أن هذه الصورة التي سأل عنها السائل غير صحيحة، وضع اليد على الصناديق لا يكفي، ولا عدُّه لا يكفي على الصحيح المعروف عند أهل العلم، مجرد العد لا يكفي، لا بد من قبض، لا بد من استيفاء المبيع، ولهذا ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: «لا تبع ما ليس عندك ولا يحل سلف وبيع، ولا بيع ما ليس عندك» ونهى عليه الصلاة والسلام أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، فالتاجر ممنوع أن يبيع ما ليس عنده وهكذا غيره من الناس. حتى يحوزها إلى رحله، قال ابن عمر: «كنا نشتري الطعام جزافًا، على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم- وكنا نضرب إذا بعناه في محلنا حتى ننقله إلى رحالنا» وفي لفظ: «من أعلى السوق إلى أسفله، ومن أسفله إلى أعلاه».
والخلاصة: أن هذا البيع الذي سأل عنه السائل لا يصح، لأنه باع ما لم يقبض، باع الشاري ما لا يقبضه المشتري ثم هو باع على راعي الدكان ما لم يقبض فلا يصلح هذا البيع وليس للبائع إلا الدراهم التي سلمها له صاحب الدكان لأنها للبائع هي ثمن المثل فيعطيه ثمن المثل أو يرد عليه جنس ما شرى، السلعة التي شراها منه؛ لأنه اشترى منه سلعة معروفة ولم يقبضها القبض الشرعي، فباعها قبل ذلك، فليس له بيعها، بيعها غير صحيح، وحينئذ فهي باقية في عصمته، عليه أن يقبضها ويتصرف فيها حيث يشاء، والشخص الذي أعطاه الدراهم، يرد عليه الدراهم فقط، يردها عليه بنفسها، لأنه باعه شيئًا لم يقبضه، والشخص المشتري للصناديق وأشباهها كالسكر والخام، وأشباه ذلك هذا تبقى السلعة على حسابه فيرد قيمتها ذلك الوقت، أو يردها إن كانت موجودة بعينها على بائعها، والحاصل أن البيع الأخير غير صحيح لأنه باعه وهو لم يقبض والبيع الأول غير صحيح إذا كان باعه شيئًا لم يقبضه، أما إن كان قد قبضه ونقله إلى دكانه أو إلى السوق فتصح، لكن هذا الرجل ما قبض لا بيع أول ولا الآخر، كل الاثنين ما قبض، فقد باع شيئًا لم يقبضه، فلا يصح والبيع غير صحيح وليس للبائع إلا الدراهم التي سلَّمها المشتري في الأخير لأنه اشتراها منه بنقد فله الدراهم التي سلمها لصاحب الوعدة صاحب التورق المحتاج فهي مثلاً شراها من الأول بألفين، ثم باعها على صاحب الدكان بألف وستمائة، فالذي له ألف وستمائة؛ لأن الألف والستمائة هي التي قبضها، فيردها فقط، يردّها على الذي باع عليه السلعة.
المصدر:
الشيخ ابن باز من فتاوى نور على الدرب(19/39- 44)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟