هذا السؤال تضمن ثلاثة مسائل:
المسألة الأولى: النية وهل يجب أن يعقدها لكل يوم ؟
والجواب على ذلك: أن النية شرط لصحة العبادة لقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» فلا عمل إلا بنية, والنية لها وجهان الوجه الأول نية المعمول له. والوجه الثاني نية العمل ففي الوجه الأول يجب أن يكون الإنسان مخلصا لله تعالى في عبادته لا يريد بها شريكا غيره والغرض منها تعيين المنوي له وتوحيده بتلك العبادة وهو الله سبحانه وتعالى أما الوجه الثاني في النية فهو نية العمل أو تعيينه وتمييزه من غيره لأن العبادات أجناس وأنواع لا يتميز أحدها إلا بتعيينه فلا بد من أن يعين نية الصوم الواجب ففي رمضان ينوي أنه صام يوم من رمضان فالنية في الحقيقة لا تحتاج إلى فعل كبير فإن من قام في آخر الليل وأكل السحور فإنه لا شك نوى للصوم وتعيين النية أيضًا إذا كان في شهر رمضان أمر معلوم لأن الإنسان لا يمكن أن ينوي بهذا الصوم إلا أنه صوم رمضان مادام في وقت رمضان. وعلى هذا فإذا كان الإنسان في ليالي رمضان وأكل السحور، فإنه لا شك في أنه قد نوى وعين النية فلا يحتاج أن يقول اللهم إني نويت الصوم أو أنا نويت الصوم إلى الليل أو ما أشبه ذلك ولكن هل يجب في رمضان أن يعين النية في كل يوم أو إذا نوى من أوله كفى ما لم ينو القطع؟ الصواب أنه إذا نوى من أوله كفى إلا إذا نوى القطع وينبني على ذلك مسألة وهي لو نام الإنسان في يوم من رمضان بعد العصر ولم يستيقظ إلا في اليوم الثاني بعد طلوع الفجر فإن قلنا إنه يجب تعيين النية لكل يوم من ليلته فإن صوم هذا الرجل اليوم الثاني لا يصح؛ لأنه لم ينوه من ليلته وإن قلنا بالأول وهو أن رمضان يكفي نية من أوله ما لم يقطعه فإن صومه هذا اليوم صحيح لأن الرجل قد نام بنيته وبلا ريب أنه سيصوم غداً لأنه لا سبب موجب لقطع الصوم وقولنا إذا نوى من أوله ولم ينوِ القطع احترازاً مما لو نوى القطع مثل أن يكون مريضا يصوم يوما ويدع يوما فإنه إذا أفطر لا بد أن يجدد النية في بقية الشهر هذا بالنسبة للنية فصارت الخلاصة أن النية يجب أن يلاحظ فيها شيئان:
الشيء الأول: نية المعمول له وهو توحيد الله تعالى بالقصد بأن يريد الإنسان بعبادته وجه الله سبحانه وتعالى، والثاني: نية العمل بأن يعين العمل الذي يعمله من طهارة أو صلاة أو زكاة أو صوم سواء كان ذلك تطوعا أو فريضة
المسألة الثانية: مفسدات الصوم :ذكر الله في القرآن منها ثلاثة وهي الأكل والشرب والجماع فقال تعالى ﴿فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة: 187] فهذه ثلاثة مفسدات الأول الجماع والثاني الأكل والثالث الشرب والأكل شامل لكل مأكول سواء كان نافعا أو ضارا وسوء كان حراما أم حلالا وكذلك الشرب شامل لكل مشروب سواء كان نافعا أم ضارا وسواء كان حراما أم مباحا فكله يفطر لعدم الاستثناء فيه الرابع إنزال المني لشهوة بمباشرة أو معالجة حتى ينزل فإنه يكون مفطرا وهو وإن لم يكن داخلا في قوله ﴿فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ﴾ [البقرة: 187] فإن قوله تبارك وتعالى في الحديث القدسي في الصائم يقول «يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي»، فإن الشهوة تتناول الإنزال لشهوة وقد أطلق النبي- صلى الله عليه وسلم- على المني أنه شهوة حيث قال: «وفي بضع أحدكم صدقة قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر قال أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر» الأمر الخامس من مفسدات الصوم ما كان بمعنى الأكل والشرب وهو الإبر المغذية التي يستغنى بها متناولها عن الطعام والشراب وذلك أنها وإن لم تكن داخلة في الأكل والشرب، فإنها بمعنى الأكل والشرب يستغني الجسم بها عن ذلك فأما الإبر التي لا يستغني بها عن الأكل والشرب فليست بالمفطرات سواء تناولها الإنسان في الوريد أو تناولها في العضلات حتى لو وجد طعمها في حلقه لأنها ليست أكلا ولا شرباً ولا بمعنى الأكل والشرب فلا تكون مفطرة بأي حال من الأحوال إذا لم تكن مستغنى بها عن الأكل والشرب الأمر السادس من مفسدات الصوم القيء عمداً يعني إذا تعمد الإنسان القيء حتى خرج فإنه يفطر بذلك لحديث أبي هريرة «من ذرعه القيء فلا قضاء عليه ومن استقاء عمدا فليقض» الأمر السابع إخراج الدم بالحجامة فإذا احتجم الإنسان فإنه يفطر لقول النبي- صلى الله عليه وسلم- : «أفطر الحاجم والمحجوم» والحكمة من إفطار الصائم بالقيء والحجامة هو أنه إذا قاء واحتجم لحقه من الضعف ما يوجب أن يكون محتاجاً إلى الأكل والشرب ويكون الصوم شاقا عليه ولكن مع ذلك إذا استقاء عمدا أو احتجم عمدا في رمضان بدون عذر فإنه لا يجوز له أن يأكل ويشرب مادام في نهار رمضان لأنه أفطر بغير عذر أما لو كان بعذر فإنه إذا قاء أو احتجم يجوز له الأكل والشرب لأنه أفطر بعذر، وأما خروج الدم بغير الحجامة مثل أن يخرج منه رعاف أو يقلع سنه أو ضرسه فيخرج منه دم فإن هذا لا شيء عليه فيه ولا يفطر به؛ لأنه ليس بمعنى الحجامة وليس حجامة وهو يخرج منه أيضا بغير اختياره كالرعاف وكذلك لا يفطر بإخراج الدم للاختبار مثل أن يؤخذ منه دم ليفحصه فإنه لا يفطر بذلك لأن هذا دم قليل ولا يؤثر تأثير الحجامة على الجسم فلا يكون مفطراً أما إذا أخذ منه دم للتبرع لشخص مريض فهذا إن كان الدم يسيراً لا يؤثر تأثير الحجامة لم يفطر به وإن كان الدم كثيرا يؤثر على البدن تأثير الحجامة، فإنه يفطر بذلك وعلى هذا فإذا كان صيامه واجباً، فإنه لا يجوز أن يتبرع لشخص حال صيامه؛ لأنه يلزم منه أن يفطر في الصوم الواجب والفطر في الصوم الواجب محرم إلا لعذر فلو فرض أن هذا المريض معرض للتلف وأنه لو انتظر إلى غروب الشمس لهلك، وقال الأطباء: أنه ينتفع بدم هذا الصائم فإنه في هذه الحال يفطر ويتبرع بدمه لأنه أفطر لإنقاذ معصوم والفطر لإنقاذ المعصوم جائز مباح ولهذا أذن للمرأة المرضع إذا خافت نقص اللبن على ولدها جاز لها أن تفطر وكذلك الحامل إذا خافت على ولدها يجوز لها أن تفطر ومن أفطر فعليه القضاء فقط إذا كان بعذر وبقي أن يقال ما تقولون في الكحل والسعوط في الأنف والقطرة في الأذن أو في العين فنقول إن القطرة في الأذن أو في العين لا تفطر مطلقا لأن ذلك ليس أكلا ولا شربا ولا بمعنى الأكل والشرب وليس من المنافذ المعتادة التي تصل إلى المعدة عن طريق العين أو الأذن وأما الأنف فإنه إذا وصل إلى جوفه شيء منه عن طريق الأنف يفطر بذلك ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام للقيط بن صبرة «بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً» ومن مبطلات الصوم خروج دم الحيض والنفاس بالنسبة للمرأة، فإذا خرج منها دم الحيض أو دم النفاس وهي صائمة بطل صومها والعبرة بالخروج لا بالإحساس به دون أن يخرج فلو فرض أن امرأة أحست بدم الحيض قبيل غروب الشمس ولكن لم يخرج إلا بعد أن غربت الشمس فصومها صحيح وقد كان بعض النساء يظن أن المرأة إذا رأت الحيض قبل أن تصلي المغرب ولو بعد الغروب فإن صومها ذلك اليوم لا يصح وهذا لا أصل له فالمعتبر خروج الدم إن خرج قبل الغروب فسد الصوم وإن لم يخرج إلا بعده فالصوم صحيح وليعلم أن هذه المفطرات المفسدات للصوم لا تفسده إلا بشروط ثلاثة الشرط الأول: أن يكون عالماً.
والشرط الثاني: أن يكون ذاكراً.
والشرط الثالث: أن يكون مختاراً فإن كان جاهلا لم يفسد صومه مثل أن يأكل يظن أن الفجر لم يطلع فيتبين أنه طالع أو أن الشمس قد غربت فيتبين أنها لم تغرب فإن صومه لا يفسد بذلك ودليله ما ثبت في صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها- وعن أبيها «قالت أفطرنا في يوم غيم في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- ثم طلعت الشمس» ولم يؤمروا بالقضاء وكذلك لو أكل أو شرب ناسيا أنه صائم فإنه لا قضاء عليه لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه» وكذلك لو أكره على شيء من المفطرات فإنه لا يفسد صومه بذلك لأن المكره غير مريد ولهذا رفع الله حكم الكفر عمن أكره عليه فقال ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النحل: 106] وليعلم أن هذه المفطرات ليس فيها كفارة إلا لشيء واحد وهو الجماع فإن الإنسان إذا جامع زوجته وهو صائم في نهار رمضان وهو ممن يجب عليه الصوم وجب عليه الكفارة وهي عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً وانتبه لهذه الشروط أن يكون فعلك في نهار رمضان وهو ممن يجب عليه الصوم فإن كان في غير رمضان فإنه يفسد صومه ولكن لا كفارة عليه وكذلك لو كان في نهار رمضان وهو ممن لا يجب عليه كما لو جامع زوجته وهو مسافر صائم فإنه لا كفارة عليه حينئذ لأن الصوم لا يجب عليه في هذه الحال إذ يجوز له أن يفطر عمدا.
فضيلة الشيخ: بالنسبة للجماع في نهار رمضان ممن يجب عليه الصوم هل تكون الكفارة على الزوجين؟
الشيخ: نعم تكون الكفارة على الزوجين إذا اختارت الزوجة أما إذا أكرهت على هذا فإنه ليس عليها كفارة لأنها مكرهة ولا يفسد صومها أيضا بذلك لكونها مكرهة والكفارة على الترتيب وهي عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً فلا يجوز الإطعام لمن كان قادرا على الصوم.
وأما المسألة الثالثة مما يتضمنه السؤال فهي: ما إذا نسي النية ولا أتصور أن يقع؛ لأن الإنسان إذا أراد الصوم عادة فسوف يقوم في آخر الليل ويأكل ويتسحر وبهذا يكون قد نوى الصوم، فأنا لا أتصور النسيان.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟