الأحد 27 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 23-03-2020

شبه في نزول الله تعالى إلى السماء الدنيا والجواب عنها

الجواب
هذا كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو القائل عليه الصلاة والسلام: «ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له ، حتى ينفجر الفجر» . متفق على صحته ، وقد بين العلماء أنه نزول يليق بالله وليس مثل نزولنا، لا يعلم كيفيته إلا هو سبحانه وتعالى ، فهو ينزل كما يشاء ولا يلزم من ذلك خلو العرش فهو نزول يليق به جل جلاله ، والثلث يختلف في أنحاء الدنيا وهذا شيء يختص به تعالى لا يشابه خلقه في شيء من صفاته كما قال سبحانه: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾[الشورى: 11] وقال جل وعلا: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾[طه: 110] وقال عز وجل في آية الكرسي: ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ﴾[البقرة: 255] والآيات في هذا المعنى كثيرة وهو سبحانه أعلم بكيفية نزوله ، فعلينا أن نثبت النزول على الوجه الذي يليق بالله ، ومع كونه استوى على العرش، فهو ينزل كما يليق به عز وجل ليس كنزولنا ، إذا نزل فلان من السطح خلا منه السطح ، وإذا نزل من السيارة خلت منه السيارة ، فهذا قياس فاسد له؛ لأنه سبحانه لا يقاس بخلقه ، ولا يشبه خلقه في شيء من صفاته.
كما أننا نقول: استوى على العرش على الوجه الذي يليق به سبحانه ولا نعلم كيفية استوائه ، فلا نشبهه بالخلق ولا نمثله وإنما نقول: استوى استواء يليق بجلاله وعظمته. ولما خاض المتكلمون في هذا المقام بغير حق حصل لهم بذلك حيرة عظيمة ، حتى آل بهم الكلام إلى إنكار الله بالكلية ، حتى قالوا: لا داخل العالم ولا خارج العالم ولا كذا ولا كذا ، حتى وصفوه بصفات معناها العدم وإنكار وجوده سبحانه بالكلية ، ولهذا ذهب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأهل السنة والجماعة تبعا لهم فأقروا بما جاءت به النصوص من الكتاب والسنة ، وقالوا: لا يعلم كيفية صفاته إلا هو سبحانه ، ومن هذا ما قاله مالك رحمه الله: " الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة " يعني: عن الكيفية ومثل ذلك ما يروى عن أم سلمة -رضي الله عنها- وعن ربيعة بن أبي عبد الرحمن شيخ مالك رحمهما الله: "الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول والإيمان بذلك واجب" ومن التزم بهذا الأمر سلم من شبهات كثيرة ، ومن اعتقادات لأهل الباطل كثيرة عديدة وحسبنا أن نثبت ما جاء في النصوص وألا نزيد على ذلك.
وهكذا نقول: يسمع ويتكلم ويبصر ويغضب ويرضى على وجه يليق به سبحانه ولا يعلم كيفية صفاته إلا هو ، وهذا هو طريق السلامة وطريق النجاة وطريق العلم وهو مذهب السلف الصالح ، وهو المذهب الأسلم والأعلم والأحكم، وبذلك يسلم المؤمن من شبهات المشبهين ، وضلالات المضللين ، ويعتصم بالسنة والكتاب المبين، ويرد علم الكيفية إلى ربه سبحانه وتعالى، والله سبحانه ولي التوفيق .
المصدر:
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز(28/399)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟