الجواب
هذا الصلح في السؤال بين قبيلة القاتل وقبيلة المقتول صلح باطل، لا أصل له في كتاب الله ولا سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ؛ لمخالفته لما جاء في شريعة الإسلام المطهرة من أن لأولياء الدم القصاص من القاتل أو العفو عن القود إلى الدية، أو التنازل عن ذلك كله في قتل العمد، وأن لهم الدية أو العفو في قتل الخطأ دون اشتراط شيء غير ذلك، كما أن هذا الصلح مبني على عادة من عادات الجاهلية، لما فيه من اشتراط أهل الدم أن يتزوجوا بابنتين من بنات القبيلة القاتلة دون اعتبار لرضاهما، وإذا مات زوج إحداهما ورثها أحد أقاربه، ولا يتم قبول الدية والصلح إلا بذلك، وهذا من جنس ما كان العرب يفعلونه في الجاهلية قبل الإسلام، فقد أخرج البخاري في صحيحه ج8 ص57 عن عكرمة -رضي الله عنه- ، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- ، قال الشيباني وحدثني عطاء أبو الحسن السوائي ولا أظنه إلا ذكره عن ابن عباس رضى الله عنهما: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا﴾ الآية [النساء: 19] ، قال: كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاءوا زوجوها، وإن شاءوا لم يزوجوها، فهم أحق بها من أهلها، فنزلت هذه الآية بذلك، وقد ذكر ابن حجر في (فتح الباري) ج8 ص95، قال: وقد روى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: كان الرجل إذا مات وترك امرأة ألقى عليها حميمه ثوبا فمنعها من الناس، فإذا كانت جميلة تزوجها، وإن كانت دميمة حبسها حتى تموت ويرثها) ، وعلى ذلك فإن هذا النكاح الذي بني عليه هذا الصلح باطل لا صحة له؛ لما فيه من اتخاذ المرأة سلعة يعاوض بها، وإهانة كرامتها بإجبارها على ذلك الزواج وإرثها من قبل أقارب زوجها إذا مات زوجها وهذا مخالف لشريعة الإسلام إذ المرأة في الإسلام لها مكانتها وحقوقها التي تضمن كرامتها وعزتها فلا يجوز العقد عليها إلا برضاها إذ من شروط صحة الزواج رضى كل من الزوجين بالآخر ولها الحق في الصداق دون وليها أو غيره من أفراد قبيلتها، ولذلك حرم الإسلام الشغار، لأن الولي إنما رغب في الخاطب لغرضه ومصلحته، دون اعتبار لمصلحة المرأة ورضاها، وهذا النكاح المذكور إنما تم بناء على اعتبار مصلحة تلك القبيلة دون اعتبار لمصلحة المرأة ورضاها. إضافة إلى ما يمكن أن يحدث بسبب ذلك الزواج من المشاكل والمفاسد والشرور، واتخاذه وسيلة للإضرار بالمرأة المتزوج بها، قد يصل إلى القتل انتقاما لمن قتل منهم، لا سيما أنه حصل بدون رضا الزوجة، وادعاء أن هذا الزواج يحقق صلة الرحم، وإطفاء شرر الفتنة بين القبيلتين مع ما ذكر غير مسلم به، ودرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.