السبت 19 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 24-03-2020

يكثر من الدُّعاء ولا يُستجاب له ويسأل عن السبب

الجواب
أسأل الله تعالى لي ولإخواني المسلمين التوفيق للصواب عقيدة وقولاً وعملاً يقول الله عز وج: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾[غافر: 60].
ويقول السائل: إنه دعا الله -عزّ وجلّ- ولم يستجب الله له فيستشكل هذا الواقع مع هذه الآية الكريمة التي وعد الله تعالى فيها من دعاه أن يستجيب له والله سبحانه وتعالى لا يخلف الميعاد والجواب على ذلك أن للإجابة شروطاً لا بد أن تتحقق وهي:
الشرط الأول: الإخلاص لله -عزّ وجلّ- بأن يخلص الإنسان في دعائه فيتجه إلى الله سبحانه وتعالى بقلب حاضرٍ صادقٍ في اللجوء إليه عالم بأنه -عزّ وجلّ- قادر على إجابة الدعوة مؤملاً الإجابة من الله سبحانه وتعالى.
الشرط الثاني: أن يشعر الإنسان حال دعائه بأنه في أمس الحاجة بل في أمس الضرورة إلى الله سبحانه وتعالى وأن الله تعالى وحده هو الذي يجيب دعوة المضطر ويكشف السوء أما أن يدعو الله -عزّ وجلّ- وهو يشعر بأنه مستغن عن الله سبحانه وتعالى وليس في ضرورة إليه وإنما يسأل هكذا عادة فقط فإن هذا ليس بحري بالإجابة.
الشرط الثالث: أن يكون متجنباً لأكل الحرام فإن أكل الحرام حائل بين الإنسان والإجابة كما ثبت في الصحيح عن النبي-صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وإن الله أمر به المؤمنين بما أمر المرسلين ثم قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾[البقرة: 172] وقال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً﴾[المؤمنون: 51] ثم ذكر النبي-صلى الله عليه وسلم- ألرجل يطيل السفر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام وملبسة حرام وغذي بالحرام قال النبي-صلى الله عليه وسلم-فأنى يستجاب لذلك» فاستبعد النبي-صلى الله عليه وسلم- أن يستجاب لهذا الرجل الذي قام بالأسباب الظاهرة التي بها تستجلب الإجابة وهي رفع اليدين إلى السماء يعني إلى الله لأنه تعالى في السماء فوق العرش ورفع اليد إلى الله -عزّ وجلّ- من أسباب الإجابة كما جاء في الحديث الذي رواه أحمد في المسند: «إن الله حي كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً».
ثانياً: هذا الرجل دعا وتوسل إلى الله تعالى يا رب يا رب والتوسل إلى الله تعالى بهذا الاسم من أسباب الإجابة؛ لأن الرب هو الخالق المالك المدبر لجميع الأمور وبيده مقاليد السموات والأرض ولهذا تجد أكثر الدعاء الوارد في القرآن بهذا لاسم: ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ * فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾[آل عمران: 193-195]، فالتوسل إلى الله تعالى بهذا الاسم من أسباب الإجابة.
ثالثاً: هذا الرجل كان مسافراً والسفر غالباً من أسباب الإجابة لأن الإنسان في السفر يشعر بالحاجة إلى الله -عزّ وجلّ- والضرورة إليه أكثر مما إذا كان مقيماً في أهله وأشعث أغبر كأنه غير معني بنفسه كأن أهم شيء عنده أن يلتجئ إلى الله ويدعوه على أي حال كان هو سواء كان أشعث أغبر أم مترفاً والشعث والغبر له أثر في الإجابة كما في الحديث الذي روى عن النبي-عليه الصلاة والسلام-: «أن الله تعالى يتجلى إلى السماء الدنيا عشية عرفة يباهي الملائكة بالواقفين فيها يقول أتوني شعثاً غبراً ضاحين من كل فج عميق» هذه الأسباب الثلاثة لإجابة الدعاء لم تجد شيئاً لكون مطعمه حراماً وملبسه حراماً وغذي بالحرام قال النبي-عليه الصلاة والسلام-: «فأنى يستجاب لذلك» هذه الشروط في إجابة الدعاء إذا لم تتوفر فإن الإجابة تبدوا بعيدة فإذا توفرت ولم يستجب الله تعالى للداعي فإنما ذلك لحكمة يعلمها الله -عزّ وجلّ- ولا يعلمها هذا الداعي: ﴿وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ﴾[البقرة: 216] وإذا تمت هذه الشروط ولم يستجب الله -عزّ وجلّ- فإنه إما أن يدفع عنه من السوء ما هو أعظم وإما أن يدخرها له يوم القيامة فيوفيه الأجر أكثر وأكثر لأن هذا الداعي الذي دعا بتوفر الشروط ولم يستجب له ولم يصرف عنه من السوء ما هو أعظم يكون قد فعل الأسباب ومنع الجواب لحكمة فيعطى الأجر مرتين مرة على دعائه ومرة على مصيبته بعدم الإجابة فيدخر له عند الله -عزّ وجلّ- ما هو أعظم وأكمل ثم إن من المهم أيضاً ألا يستبطئ الإنسان الإجابة فإن هذا من أسباب منع إجابته أيضاً كما جاء في الحديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل قالوا كيف يعجل يا رسول قال يقول دعوت ودعوت فلم يستجب لي» فلا ينبغي للإنسان أن يستبطئ الإجابة ويستحسر عن الدعاء ويدع الدعاء بل يلح في الدعاء فإن كل دعوة تدعو بها الله -عزّ وجلّ- فإنها عبادة تقربك إلى الله سبحانه وتعالى وتزيدك أجراً فعليك يا أخي بدعاء الله سبحانه وتعالى في كل أمورك العامة والخاصة والشديدة واليسيرة ولو لم يكن من الدعاء ألا أنه عبادة لله سبحانه وتعالى كان جديراً بالمرء أن يحرص عليه.
المصدر:
الشيخ ابن عثيمين من فتاوى نور على الدرب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟