الأربعاء 23 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 23-03-2020

وجوب تحقيق الشهادتين بالعمل بمقتضاها

الجواب
هذه الكلمة هي أعظم الكلام الذي يتكلم به الناس وأفضل الكلام ، وهي قول وعمل ، ولا يكفي مجرد القول ، ولو كفى مجرد القول لكان المنافقون مسلمين ؛ لأنهم يقولونها ، وهم مع هذا كفار ، بل في الدرك الأسفل من النار ؛ لأنهم يقولونها باللسان من دون عقيدة ولا إيمان ، فلا بد من قولها باللسان مع اعتقاد القلب وإيمان القلب بأنه لا معبود حق إلا الله .
ولا بد أيضا من أداء حقها بأداء الفرائض ، وترك المحارم ؛ لأن هذا من حق لا إله إلا الله ، قال عليه الصلاة والسلام: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله» . وفي لفظ آخر: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله عز وجل» متفق على صحته .
فالحاصل أنه لا بد من قول مع يقين ، ومع علم ومع عمل ، لا مجرد القول باللسان ، فإن اليهود يقولونها ، والمنافقون يقولونها ، ولكن لا تنفعهم ؛ لما لم يحققوها بالعمل والعقيدة ، فلا بد من العقيدة بأنه لا معبود بحق إلا الله ، وأن ما عبده الناس من أصنام ومن أشجار أو أحجار أو قبور أو أنبياء أو ملائكة أو غيرهم فإنه باطل ، وأن هذا شرك بالله عز وجل ، والإيمان حق لله وحده ، وهذا هو معنى لا إله إلا الله ، فإن معناها: لا معبود حق إلا الله ، كما قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ ﴾[الحج: 62]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ﴾[البينه:5]، وقال سبحانه: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾[الفاتحة: 5] وقال عز وجل: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾[الإسراء:23] ، وقال سبحانه: ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾[الزمر:2-3]، وقال عليه الصلاة والسلام: «من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه»، وفي لفظ آخر عند مسلم: «من وحد الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه» . فدل على أنه لا بد من التوحيد والإخلاص لله.
ولما بعثا النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذا -رضي الله عنه- إلى اليمن معلما ومرشدا وأميرا وقائدا ، قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ادعهم إلى أن يوحدوا الله»، وفي لفظ آخر: «ادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فإذا فعلوا ذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة ، فإن هم أطاعوك فأخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم» . . . الحديث .
فالخلاصة أنه لا بد من الإيمان بها قولا وعملا مع النطق ، فيشهد أن لا إله إلا الله عن علم ويقن وإخلاص وصدق ومحبة لما دلت عليه من التوحيد ، وانقياد لحقها وقبول لذلك ، وبراءة مما عبد من دون الله تعالى . هكذا يكون الإيمان بهذه الكلمة ، يقولها عن يقين وأنه لا معبود بحق إلا الله ، وعن علم ليس فيه جهل ولا شك ، وعن إخلاص في ذلك لا رياء ولا سمعة ، وعن محبة لما دلت عليه من التوحيد والإخلاص ، وعن صدق ، لا كالمنافقين يقولونها باللسان ويكذبونها في الباطن .
ومع قبول لما دلت عليه من التوحيد وانقياد لذلك ، ومحبة لذلك ، والتزام به مع البراءة من كل ما يعبد من دون الله ، والكفر بكل ما يعبد من دون الله ، كما قال سبحانه: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾[البقرة: 256] والكفر بالطاغوت معناه البراءة مما عبد من دون الله ، واعتقاد بطلانه ، وأن تتبرأ من عبادة غير الله ، وتعتقد بطلان ذلك ، وأن العبادة بحق هي لله وحده سبحانه وتعالى ليس له شريك في ذلك ، لا ملك ولا نبي ولا شجر ولا حجر ولا ميت ولا غير ذلك.
المصدر:
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز(28/209)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟