الأربعاء 23 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 24-03-2020

وجوب البراءة من الكفار واعتقاد كفرهم وحكم اعتقاد كفر تارك الصلاة

الجواب
قد دلت الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة على وجوب البراءة من المشركين واعتقاد كفرهم متى علم المؤمن ذلك ، واتضح له كفرهم وضلالهم.
كما قال الله عز وجل في كتابه العظيم: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾[الزخرف: 26- 28] . أي لعلهم يرجعون إليها في تكفير المشركين والبراعة منهم، والإيمان بأن الله هو معبودهم الحق سبحانه وتعالى . وقال عز وجل: ﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ﴾[الممتحنة: 4] وهذا هو دين إبراهيم وملة إبراهيم والأنبياء جميعا. البراعة من عابد غير الله ، واعتقاد كفرهم وضلالهم حتى يؤمنوا بالله وحده سبحانه وتعالى.
فالواجب على المسلم أن يتبرأ من عابد غير الله ، وأن يعتقد كفرهم وضلالهم حتى يؤمنوا بالله وحده سبحانه ، كما حكى الله عن إبراهيم والأنبياء جميعا ، وهكذا فوله سبحانه وتعالى: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ﴾[البقرة: 256]. والكفر بالطاغوت معناه البراءة من عبادة غير الله واعتقاد بطلانها، وأن الواجب على كل مكلف أن يعبد الله وحده ، وأن يؤمن به ، وأن يعتقد أن الله وحده هو المستحق للعبادة ، وأن ما عبده الناس من دون الله من أصنام وأشجار وأحجار أو جن أو ملائكة أو غير ذلك فإنه معبود بالباطل.
قال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ﴾[الحج: 62] فالمؤمن إذا علم أن فلانا يعبد غير الله وجب عليه البراءة منه واعتقاد بطلان ما هو عليه، وتكفيره بذلك إذا كان ممن بلغته الحجة، أي كان بين المسلمين ، أو علم أنه بلغته الحجة، كما قال تعالى: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾[الأنعام:19] ، وقال تعالى: ﴿هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ﴾[إبراهيم:52] .
فالله أوحى القرآن لنبيه عليه السلام وجعله بلاغا للناس ، فمن بلغه القرآن أو السنة ولم يرجع عن كفره وضلاله وجب اعتقاد بطلان ما هو عليه وكفره.
ومن هذا الحديث الصحيح وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الآمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بما أرسلت به إلا كان من أهل النار» أخرجه مسلم في صحيحه.
فبين عليه الصلاة والسلام أن كل إنسان متى بلغه ما بعث به النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم مات ولم يؤمن به صار من أهل النار؛ أي صار كافرا من أهل النار؛ لكونه لم يستجب لما بلغه عن رسول الله .
وهذا معنى قوله تعالى: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾[الأنعام:19] ، وقوله سبحانه: ﴿هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ﴾[إبراهيم:52].
وفي صحيح مسلم عن طارق بن أشيم -رضي الله عنه- عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله» ، وفي لفظ آخر: «من وحد الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه» فجعل تحريم الدم والمال مربوطا بقوله: " لا إله إلا الله " ، وتوحيده لله ، وكفره بالطاغوت ، فلا يحرم ماله ودمه حتى يوحد الله ، وحتى يكفر بالطاغوت - أي يكفر بما عبد من دون الله - لأن الطاغوت هو ما عبد من دون الله ، ومعنى الآية الكريمة: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا﴾[البقرة: 256] . والذي يعلم الكافر وما عليه من باطل ثم لا يكفره أو يشك في كفره ، معناه أنه مكذب لله ولرسوله ، غير مؤمن بما حكم الله عليهم من الكفر كاليهود والنصارى ، فهم كفار بنص القرآن ، ونص السنة ، فالواجب على المكلفين من المسلمين اعتقاد كفرهم وضلالهم ، ومن لم يكفرهم أو شك في كفرهم يكون مثلهم ؛ لأنه مكذب لله ولرسوله شاك فيما أخبر الله به ورسوله ، وهكذا من شك في الآخرة ، شك هل هناك جنة أو لا ، أو هل هناك نار أو لا ، أو هل هناك بعث أو لا ، وهل يبعث الله الموتى ، فليس عنده إيمان ويقين ، فهذا كافر حتى يؤمن بالبعث والنشور ، وبالجنة والنار ، وأن الله أعد الجنة للمتقين ، وأعد النار للكافرين ، فلا بد من الإيمان بهذا بإجماع المسلمين .
وهكذا من شك أن الله يستحق العبادة ، يكون كافرا بالله عز وجل ؛ لأن الله سبحانه يقول: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ ﴾[الحج: 62] ، ويقول سبحانه: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ﴾[الإسراء:23]وقال تعالى: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾[الفاتحة: 5] ، وقال: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ﴾[البينه:5]. والآيات في هذا كثيرة .
وهكذا من شك في الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقال: لا أعلم أن محمدا رسول الله أم لا ؟ أي عنده شك ، فيكون حكمه حكم من أنكر الرسالة أو كذب بها ، يكون كافرا حتى يؤمن يقينا أن محمدا رسول الله .
وهكذا المرسلون الذين بينهم الله ، كهود ونوح وصالح وموسى وعيسى من شك في رسالتهم أو كذبهم يكون كافرا ، وهكذا من استهزئ بالدين أو سب الدين يكون كافرا ، كما قال تعالى: ﴿قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾[التوبة: 65] . والذي يسب الدين ويسب الرسول مثل المستهزئ أو أقبح وأكفر .
أما من ترك الصلاة ولم يجحد وجوبها فهذا فيه خلاف بين العلماء:
1 - منهم من كفره، وهو الصواب ؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر» وقوله: «بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة» .
2 - وقال آخرون من أهل العلم: إنه لا يكفر بذلك ؛ لأنه لم يجحد وجوبها ، بل يكون عاصيا وكافرا كفرا دون كفر وشركا دون شرك ، لكن لا يكون كافرا كفرا أكبر . قاله جمع من أهل العلم . ومن شك في كفر هذا لا يكون كافرا ؛ لأنه محل اجتهاد بين أهل العلم ، فمن رأى بالأدلة الشرعية أنه كافر وجب عليه تكفيره ، ومن شك في ذلك ، ولم تظهر له الأدلة ، ورأى أنه لا يكفر كفرا أكبر بل كفر أصغر ، فهذا معذور في اجتهاده ، ولا يكون كافرا بذلك .
أما من جحد وجوبها وقال: الصلاة غير واجبة ، فهذا كافر عند الجميع ، ومن شك في كفره فهو كافر نعوذ بالله ، وهكذا من قال: إن الزكاة لا تجب أي جحد وجوبها أو صيام رمضان جحد وجوبه ، فهذا يكفر بذلك ؛ لأنه مكذب لله ولرسوله ، ومكذب لإجماع المسلمين فيكون كافرا .
ومن شك في كفره فهو كافر بعد ما يبين له الدليل ويوضح له الأمر ، يكون كافرا بذلك لكونه كذب الله ورسوله ، وكذب إجماع المسلمين .
وهذه أمور عظيمة يجب على طالب العلم التثبت فيها ، وعدم العجلة فيها ؛ حتى يكون على بينة وعلى بصيرة ، وهكذا العامة يجب عليهم في ذلك أن يتثبتوا ، وألا يقدموا على شيء حتى يسألوا أهل العلم ، وحتى يتبصروا ؛ لأن هذه مسائل عظيمة ، مسائل تكفير وليست مسائل خفيفة .
فالواجب على طلبة العلم وعلى أهل العلم أن يوضحوا للناس الحكم بالأدلة الشرعية ، والواجب على من أشكل عليه شيء ألا يعجل ، وأن ينظر في الأدلة ، وأن يسأل أهل العلم حتى يكون على بصيرة وعلى بينة في ذلك ، والله ولي التوفيق .
المصدر:
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز(28/226)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟