الأربعاء 23 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 24-03-2020

واجب الدعاة في دعوتهم إلى الله

الجواب
أولاً: الواجب على الدعاة في هذه الصحوة المباركة واليقظة المباركة، الواجب عليهم دائمًا الأخذ بالحكمة والرفق، وألاّ يجابهوا الناس بالعنف حتى لا يكثر أعداؤهم وخصومهم، والواجب أن تكون الدعوة بالرفق والحكمة والأسلوب الحسن، والحرص على تجنب الاصطدام بالناس مهما أمكن؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم-أوصى بالرفق، والله يقول في كتابه الكريم: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾[النحل: 125]، وقال سبحانه: ﴿وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾[العنكبوت: 46]، وقال -عليه الصلاة والسلام-: «من يحرم الرفق يحرم الخير كله» وقال -عليه الصلاة والسلام-: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شأنه» والله يقول سبحانه: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾[آل عمران: 159].
فعلى الدعاة أن يلزموا الحلم والصبر والتحمل، ولو آذاهم من آذاهم، وأن يحرصوا على بذل العلم وتوجيه الناس إلى الخير، على من هداه الله أن يتحمل ولا يكون عنيفًا مع والده، ولا مع إخوته ولا مع أخواته بل يكون بالحلم والرفق في توجيههم إلى الخير، وتعليمهم وإرشادهم ونصيحتهم حتى يقبل منه، وحتى لا ينفروا منه، وحتى لا يتسلط عليه أقاربه، عليه بالحلم والرفق في دعوته، وفي نصيحته، وفي جهاده للمنكر حتى يكون ذلك أقرب إلى الامتثال والاستفادة منه في حق أهله وجيرانه وأصحابه، والواجب على أبيه وعلى أمه وعلى إخوته أن يعينوه على الخير، وأن يرفقوا به، وإذا رأوا منه شدة وكلفًا نصحوه ووجهوه بالتي هي أحسن، حتى يهدأ وحتى يكون على الطريق السوي في دعوته ونصيحته، وتوجيهه لغيره، فالمطلوب التعاون بين الجميع، التعاون على البر والتقوى، فإذا اشتد هو نصحوه بالرفق والحكمة، ولا يزيدونه في شدته عنفًا بل ينصحونه ويوجهونه، ويرفقون به ولا يقاطعونه، وهو كذلك عليه أن يرفق ويعتني بإخوانه، حتى لا يكون منه ما ينفرهم منه، يأتي بالأساليب الطيبة والبينة والعبارات الحسنة، ويدعو لهم بالتوفيق والخير، هكذا يكون لطيفًا في دعوته، حسن الكلام طيب الأسلوب، وعلى والديه أن يعينوه، وألاَّ ينفروا منه، وألاَّ يثبطوه وهكذا إخوته، هكذا أعمامه، هكذا جيرانه، إذا رأوا منه شدة لينوه وحثوه على الرفق، لكن لا يمنعوه من الدعوة ولا يشددوا عليه، لا ينفروه بل يساعدونه على الخير، هكذا يجب التعاون، وأن الله يقول: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾[المائدة: 2] ويقول سبحانه: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾[العصر: 1-3]، والقاعدة: أن الإنسان إذا أسلم بعد كفره، قد يكون عنده شدة، وهكذا إذا اهتدى بعد فسقه أو بعد جهله قد يكون عنده شدة، يريد أن يطبق لكن عليه أن يرفق وعليه أن يحلم، وعليه أن يتصبر، الرسول -صلى الله عليه وسلم- صبر ومكث في مكة ثلاث عشرة سنة مع الكفار، صبر حتى أعانه الله وحتى يسر الله له الهجرة، وعنده منافقون في المدينة صبر عليهم، فينبغي له التأسي بالرسول -صلى الله عليه وسلم-، وقد قال الله سبحانه في حقه وهو في المدينة في سلطانه: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾[آل عمران: 159] والآية مدنية، وله السلطان في المدينة، ومع هذا رفق بهم ولم يشدد عليهم، بل دعا بالرفق والحكمة، وعنده اليهود قبل أن ينفوا، وعنده المنافقون، فالواجب الصبر كما صبر -صلى الله عليه وسلم-، والحلم كما حلم -عليه الصلاة والسلام-، والرفق كما رفق، واللين كما لانَ، ففي سيرته الخير والبركة، وفي سيرته -صلى الله عليه وسلم-الخير والبركة، فقد قال الله لموسى وهارون لما بعثهما إلى فرعون، وفرعون ألعن الناس وأخبث الناس، قال لهما: ﴿فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾[طه: 44]، وقال الله: ﴿وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾[العنكبوت: 46]، وأهل الكتاب منهم اليهود والنصارى كفار، ومع هذا قال الله: ﴿وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾، يعني: بالرفق والحكمة، حتى يقبلوا حتى لا ينفروا من الحق، فهكذا إخوانك المسلمون عليك بالرفق بهم، هم خير من الكفار وأولى بالرفق من الكفار، فعليك بالرفق والحكمة لعلهم يقبلون ولعلهم يستجيبون لدعوتك، ولعلهم يساعدونك في الخير ولا ينفرون منك، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.
المصدر:
الشيخ ابن باز من فتاوى نور على الدرب(18/434- 438)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟