الأربعاء 23 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 24-03-2020

هل له أن يحج عن والده المتوفى إذا كان تاركًا للصلاة ؟

الجواب
هذا ينظر في سبب قطعه للصلاة، لأن الظاهر من حال هذا الرجل الذي كان يقرأ القرآن ويصلي، ويصوم، الظاهر أنه لم يدع الصلاة إلا لسبب، فقد يكون هذا الرجل اختل عقله وصار لا يطيق الصلاة ولا يحس، وفي هذه الحال لا تجب عليه الصلاة إذا كان قد اختل عقله، ولا يشعر ولا يدري، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «رفع القلم عن ثلاثة» وذكر منهم: «المجنون حتى يفيق»، إما إذا كان ترك الصلاة ومعه تمييزه وعقله فإنه حينئذ يكون كافراً والعياذ بالله، وإذا كان كافرا فإنه لا يجوز الحج عنه، ولا الدعاء له لقول الله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾[التوبة: 113] . فإن قال قائل: هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء، أعني مسألة ترك الصلاة: هل يكفر الإنسان بذلك أو لا؟ فجوابه أن نقول: نعم هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم: هل يكفر تارك الصلاة أو لا؟ ولكن الميزان كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، لقول الله تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾[النساء: 59] ، ولقوله تعالى: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾[الشورى: 10] وإذا رددنا هذه المسألة - أعني مسألة تكفير تارك الصلاة - إلى كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ونحن لا نعتقد لا قول هؤلاء ولا قول هؤلاء، وإنما ننظر إلى مقتضى الدليل، فإن كتاب الله، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأقوال الصحابة- رضي الله عنهم- والنظر الصحيح كل هذه الأربعة تدل على أن تارك الصلاة كافر.
أما القراَن: فقال الله تعالى في المشركين: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾[التوبة: 11] فاشترط للأخوة في الدين ثلاثة شروط: التوبة من الشرك، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، ومن المعلوم أن الحكم المشروط بشيء لا يتم إلا باجتماع شروطه، فلا تتم الإخوة في الدين إلا بهذه الثلاثة، التوبة من الشرك، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، فإن بقوا مشركين فليسوا إخوة لنا في الدين، وإن أسلموا ولكن تركوا الصلاة فليسوا إخوة لنا في الدين، وإن أسلموا وأقاموا الصلاة ولم يؤتوا الزكاة فليسوا إخوة لنا في الدين، ولا تنتفي الأخوة في الدين إلا بالكفر، لأن المعاصي مهما عظمت لا تخرج الإنسان من أخوة الدين، كما قال الله تعالى في القتل العمد، وهو من أعظم الذنوب: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ﴾[البقرة: 178] فقال: (فمن عفي له من أخيه شيء) والقاتل فاعل كبيرة عظيمة، ومع هذا لم يخرج من الأخوة الإيمانية، وقال الله تعالى في الطائفتين المقتتلتين: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾[الحجرات: 9] والقتال بين المؤمنين من أعظم الكبائر، حتى قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار» قالوا: يا رسول الله هذا هو القاتل، فما بال المقتول؟ قال: «لأنه كان حريصاً على قتل صاحبه» وقال عليه الصلاة والسلام: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» وقال - صلى الله عليه وسلم - : «لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض» ومع كونه من أعظم الذنوب وأطلق عليه الشارع الكفر، فإنه لا يخرج من الدائرة الإيمانية، لقول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾[الحجرات: 10]، وترك الصلاة وترك إيتاء الزكاة كما في آية التوبة التي صدرنا بها الجواب مخرج عن الدائرة الإيمانية، لأن الله اشترط الأخوة، هذه الشروط الثلاثة: (إن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة) فإن قال قائل: هل تقول بتكفير مانع الزكاة ؟ فالجواب قد قيل بذلك أي أن مانع الزكاة بخلا يكفر، وقيل: ولا يكفر وهو رواية عن الإمام أحمد - رحمه الله - لكن القول الراجح، أنه لا يكفر، لحديث أبي هريرة- رضي الله عنه - الذي رواه مسلم في صحيحه قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فيحمى عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار» وكونه يرى سبيلًا إلى الجنة يدل على أنه ليس بكافر، فيقال: إن إيتاء الزكاة دلت السنة على أنه إن لم يقم به فليس بكافر، والسنة كما هو معلوم لأهل العلم تخصص القرآن، وتقيده، وتفسره وتبينه.
أما الدليل من السنة على أن تارك الصلاة كافر فيما رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة» وما رواه بريدة بن حصين- رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر» أخرجه أهل السنن، هذان الحديثان يدلان على كفر تارك الصلاة، ووجه ذلك لفظ البينية الدالة على الانفصال: انفصال الشرك من الإيمان، وأن هذا هو الحد الفاصل، فمن أقام الصلاة فهو في جانب الإيمان، ومن تركها فهو في جانب الكفر والشرك، ومن أقام الصلاة فهو من المسلمين، ومن لم يقمها فهو من الكافرين. «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر» وأما أقوال الصحابة- رضي الله عنهم- فقد قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : ( لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة ) . حظ أي نصيب، وهو منفي بلا النافية للجنس الدالة على العموم، وإذا انتفى الحظ القليل والكثير في الإسلام لم يبق إلا الكفر، وقد قال عبد الله بن شقيق- رحمه الله - وهو من التابعين: (كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة)
وأما النظر الصحيح وهو الدليل الرابع، فإنه يقال: كيف نقول لشخص محافظ على ترك الصلاة لا يصلي، وهو يسمع النداء، ويرى المسلمين يقومون بالصلاة وهو غير مبالٍ بها، ولا مكترث بها؟ كيف نقول لمن هذا حالة: إنه مسلم، هذا من أبعد ما يكون، فالنظر الصحيح يدل على كفر هذا الرجل، وإن قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله. وليس كل من قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، يكون مسلماً، فلو قال أحد: لا إله إلا الله، وكفر بآية من القرآن، أو بحكم من أحكام الله عز وجل، وهو يعلم أنه من أحكام الله فهو كافر.
فإن قال قائل: أفلا يمكن حمل الحديث «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة» على أن المراد بذلك كفر النعمة؟ ف هذا لا يصح لما أشرنا إليه من قبل، وهو كلمة البينية فإن كلمة ( بين ) تعتبر حداً فاصلا، لا يمكن أن يختلط هذا بهذا إطلاقاً، والبينية المطلقة تدل على التباين المطلق فترك الصلاة مباين للإسلام، لا يمكن أن يكون الإنسان مسلما وهو تارك لصلاته.
فإن قال قائل: أفلا يمكن أن نحمل النصوص الدالة على الكفر على أن المراد من تركها جاحداً لها ؟ فجوابه: أن هذا لا يمكن، لأن مجرد جحد الصلاة كفر، سواء فعلها أم لم يفعلها، فلو أن أحداً كان يحافظ على الصلاة ويأتي بها مع الجماعة، ولكنه يعتقد أنها ليست بفرض، وأن الإنسان مخير فيها إن شاء فعلها، وإن شاء لم يفعل فإنه كافر، ومع ذلك فهو لم يتركها.
وحمل النصوص على أن المراد به الجحد لا يصح من وجهين:
الوجه الأول: إننا ألغينا الوصف الذي قيد الشارع الحكم به وهو الترك.
الوجه الثاني: أننا أثبتنا وصفاً لم يعتبره الشرع وهو الجحد.
وهناك وجه ثالث أنه لا ينطبق على الحديث، لأنه كما قلنا آنفاً: لو صلى وداوم على الصلاة وهو جاحد كان كافراً مع أنه لم يترك، فتبين بهذا أن تارك الصلاة كافر، وأن تأويل نصوص الكفر، على أن المراد به كفر النعمة لا يصح، وتأويلها على أن المراد به الجحود لا يصح أيضاً، وينبغي أن يعلم طالب العلم أنه مسئول أمام الله عز وجل يوم القيامة عن الحكم بما تقتضيه ظواهر الكتاب والسنة، ويعلم أيضاً أن الحكم على الناس، وعلى أقوالهم، وأفعالهم، ومعتقداتهم ليس إلى أحد إلا إلى الله ورسوله، فما بالنا نتهيب أن نحكم على شخص بكفر دل الكتاب والسنة على أنه وصفه، وأنه مستحق له، إن التهيب من هذا مع دلالة النصوص كالتهيب من تحريم شيء دل الشارع على تحريمه مع وضوح أدلته، ولسنا نحن الذين نحكم على عباد الله، وعلى أفعال عباد الله، وإنما الذي يحكم هو الله عز وجل، سواء في كتابه، أو فيما جاء عن نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، وعلى هذا فالواجب على الإنسان أن ينظر إلى النصوص على أنها متبوعة، لا على أنها تابعة، حتى يسلم من التأويل، سواء أكان هذا التأويل قريباً أم بعيداً، إذا لم يدل عليه دليل من الكتاب والسنة، وبناء على هذا فإننا نقول: هذا الرجل الذي سألت عنه المرأة إذا كان ترك الصلاة لمدة خمس سنوات قبل وفاته مع سلامة بدنه وصحته وعقله فإنه يكون كافراً ميتاً على الكفر، إلا إذا علم أنه في آخر حياته تاب وصلى، وإذا قدر أنه مات على ترك الصلاة فإنه لا يجوز لها أن تحج عنه ولا أن تدعو له. فعليها أن تتحرى في أمرين:
الأمر الأول: هل كان حين ترك الصلاة عاقلاً، معه عقله وشعوره، لأني أستبعد أن يدع الصلاة ومعه عقله وشعوره، مع أنه كان في الأول محافظاً عليها وعلى بقية العبادات.
وثانياً: هل رجع قبل موته أو لم يرجع، لأنه يمكن أن يكون رجع قبل أن يموت، كما يوجد في كثير من الناس، يحصل منهم تفريط وتهاون، ثم يوقظهم الله عز وجل في آخر حياتهم، قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه - حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق فقال: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون نطفة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فيؤمر بأربع لمات بكتب رزقه وعمله وشقي أم سعيد فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة فلم يبق بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى لم يبق بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها» فالإنسان قد ييسر الله له اليقظة في آخر حياته، وتكون خاتمته خاتمة خير وسعادة، وليعلم أن قوله في الحديث: (ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكون بينه وبينها إلا ذراع) لقرب أجله، ثم بعد ذلك يغلب عليه ما في قلبه من السيئات الخبيثة- أعوذ
بالله - حتى يعمل بعمل أهل النار فيدخلها.
المصدر:
مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين(21/233)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟