الأحد 20 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 06-09-2023

هل صحيح أن تارك الصلاة كافر كفر دون كفر ؟

الجواب

هَذَا القولُ ليس بصحيحٍ؛ لأنَّ الكُفْرَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الكتابُ والسُّنَّةُ وأقوالُ الصحابةِ في تَارِكِ الصَّلاةِ هُوَ الكُفْرُ الأكْبَرُ المُخْرِجُ مِنَ الملَّةِ، وقد سَبَقَ لنا قَبْلُ بيانَ الأدلةِ الدالةِ عَلَى كُفْر تاركِ الصَّلاةِ مِنْ كتابِ اللهِ وسُنَّةِ رَسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم-

وأَقْوَال الصحابة -رضِي َاللَّهُ عَنْهُم- والنظرِ الصحيحِ، وبَيَّنَا أنَّ كلَّ دليلٍ استدَلَّ به مَنْ يَقُولُ بأَنَّه لَا يَكْفُرُ كُفْرًا أَكْبَرَ مُخْرِجًا عَنِ المِلَّةِ، فإنَّه لا دلالة فيه عَلَى مَنِ اسْتَدَلَّ به، وأنَّ تلك الأدلةَ لا تَعْدُو أربعَ حالاتٍ -أعني الأدلة التي استدَلَّ بها مَنْ يَقُولُ: إِنَّ تاركَ الصَّلاةِ لَا يَكْفُرُ كُفْرًا أكبرَ:

الحالُ الأُولَى: أَلَّا يكون فيها دلالةٌ أصلًا.

الحالُ الثانيةُ: أَنْ تَكُونَ مُقَيَّدَةً بحالٍ لَا يُمْكِنُ معها تَرْكُ الصَّلاةِ.

الحالُ الثالثةُ: أَنْ تَكُونَ مُقَيَّدَةً بحالٍ يُعْذَرُ فيها الإِنْسَانُ بتَرْكِ الصَّلاةِ.

الحالُ الرابعةُ: أَنْ تَكُونَ عامةً خُصِّصَتْ بنصوصٍ أو بالنُّصوصِ الدالةِ علىكُفْرِ تاركِ الصَّلاةِ.

وقد بَيَّنَّا فيهما سَبَقَ أيضًا أنَّ الكُفْرَ والإيمانَ لَا يُتَلَقَّى حُكْمُهما إِلَّا مِنْ كتابِ اللهِ وسنةِ رسولهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأنه لَيْسَ لنا الحقُّ في أنْ نَصِفَ شخصًا بكُفْرٍ دونَ أَنْ يَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ كتابُ اللهِ وسُنَّةُ رَسُولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ لأَنَّ قَوْلَنا لِشَخْصِ: إِنَّهُ كَافِرٌ، كَقَوْلِنا عَنْ شَيْءٍ: إِنَّه حرامٌ، فكما لا يَسُوغُ لنا أنْ نَقُولَ عن شيءٍ: إِنَّه حرامٌ إلا بِدَلِيلٍ مِنَ الكتابِ والسُّنَّةِ؛ فكذلك لا يَسُوغُ لنا أنْ نَقُولَ عَنْ شخصٍ: إنَّه كافِرُ إلَّا بدليل مِنَ الكتابِ والسُّنَّةِ.

فتارِكُ الصَّلاةِ يَكْفُرُ بالجَحْدِ؛ وإنْ لم يَكُنْ معه كُفْرٌ.

فَإنْ قلتَ: الأحاديثُ والنصوصُ الواردةُ في كُفْرِ تاركِ الصَّلاةِ إِنَّما عَلَّقَتِ الحُكْمَ بالتَّرْكِ، وليسَ المرادُ بتاركِ الصَّلاةِ الجاحدَ لها؛ أَلْغَيْتَ بِقَوْلِكَ هَذَا الوَصْفَ الَّذِي عَلَّقَ الشارعُ عَلَيْهِ الحُكْمَ، وأتيتَ بِوَصْفٍ جديدٍ لم يَعْتَبِرْهُ الشَّرْعُ، وبهذا تكونُ جَنَيْتَ عَلَى النصِّ مِنْوجهينِ:

الوجهُ الأولُ: إلغاءُ دِلَالَتِه.

والوجهُ الثاني: اعتبارُ وَجْهٍ لم يَعْتَبِرْهُ الشارعُ.

وعلى الإِنْسَانِ أنْ يَتَّقِيَ رَبَّه، فإنَّه لَيْسَ حاكمًا، ولكنه محكومٌ، فإذا دَلَّ كتابُ اللهِ وسُنَّةُ رَسُولِهِ عَلَى حُكْمٍ فلماذا نُحَاوِلُ الفِرَارَ منه؟ ولهذا لما قِيلَ للإِمَامِ أَحْمَدَ -رحمهُ اللهُ-: إنَّ فلانًا يَقُولُ في قوله تَعَالَى:﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا﴾ [النساء: ٩٣]: هَذَا فِيمَنِ استحلَّ القَتْلَ، يَعْنِي ومَنْ يقتل مؤمنًا مُسْتَحلًا قَتْلَه.

قالَ الإمامُ أَحْمَدُ: سبحانَ اللهِ! المستحلُّ لقَتْلِ المؤمن كافرٌ؛ سواءٌ قَتَلَ أَمْ لميَقْتُلْ، والآيةُ تُعَلَّقُ الحُكْمَ عَلَى القَتْلِ.

فهذا الَّذِي يَقُولُ: مَنْ تَرَكَهَا جَاحِدًا لِوُجُوبِها، ويُقْحِمُ كلمة (جَاحِدًا لِوُجُوبِها) في حَدِيثِ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- نَقُولُ له: سبحانَ اللهِ! الجاحدُ كَافِرٌ؛ سواءٌ تَرَكَ أَمْ لَمْ يَتْرُك، والنبي -عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- عَلَّقَ الحُكْمَ عَلَى التَّرْكِ، ولو كَانَ هُنَاكَ نُصُوصٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ تاركَ الصَّلاةِ لَا يَكْفُرُ لَكُنَّا مُضْطَرِّينَ إلى أَنْ نُؤَوِّلَ النصوص التي تَدُلُّ عَلَى كُفْرِهِ؛ لأنَّ المُرَادَ تَرْكُها مع الجَحْدِ لِوُجُوبِها.

لكِنّني أقولُ: لَا يُوجَدُ أبدًا نَصٌّ صَحِيحٌ صريحٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَارِكَ الصَّلاةِ لَيْسَ بكافرٍ، لو جاءَنا نصٌّ يَقُولُ: إِنَّ تاركَ الصَّلاةِ لَا يَكْفُرُ، ثم جاءَنا نصٌّ يَقُولُ: مَنْ تَرَكَ الصَّلاةَ فَقَدْ كَفَرَ؛ حينَئِذٍ نَجْمَعُ بين النَّصَّيْنِ، ونقولُ: مَنْ تَرَكَهَا جَاحِدًا كَفَرَ، والتاركُ لها مع الإقرار بوُجُوبِها لَا يَكْفُرُ، أما وإنَّه لم يَأْتِ دليلٌ صحيحٌ صريحٌ عَلَىأنَّ تاركَ الصَّلاةِ لَا يَكْفُرُ ودُونَ ذَلِكَ بِالجَحْدِ، فإنَّه لَا يُمْكِنُ أَنْ نُحَرِّفَ النصوص عَمَّا دَلَّتْ عليه، وَهَذَا -أَعْنِي مَنْ يَقُولُ: مَنْ تَرَكَها جاحدًا لوُجُوبِها- هَذَا مِنْ تحريفِ الكَلِمِ عَنْ مواضِعِه، وقد أخبرتُكَ سالفاً أنَّ فيه تحريفًا من وَجْهَيْنِ: إلغاءُ ما اعتبرَه الشارعُ، واعتبارُ ما لم يَعْتَبِرُه الشارعُ، كأَنَّ مَنْ قالَ: لَا إله إلا اللهُ أَنَّهُ مُسْلِمٌ؛ لَكِنْ مَن قال: لا إله إلا الله، قُيّدَ بقَوْلِهِ: ابتغاءَ وَجْهِ اللهِ، فإِذا قُيِّدَ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ، ويُرِيدُ به وجه الله فلا شَكَّ أنَّه يُصِلِّي؛ إرضاءً للهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لأنَّ المُبْتَغِي للشيء لَا بُدَّ أَنْ يطلُبَه، ثم عَلَى فَرْضِ أَنَّها جَاءتْ مُطْلَقَةٌ (مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ)، مثلًا فهذا لَفْظٌ عامٌ يُخصصه حَدِيثُ تَرْكِ الصَّلاةِ، كما أنَّ الإِنْسَانَ -مثلًا- لو قَالَ: أَشْهِدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وأن محمدًا رَسُولُ اللهِ، وكَذَّبَ بخَبَرٍ واحدٍ مِنْ أَخبارِ القُرْآنِ كَانَ كَافِرًا؛ ولو قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ.

المصدر:

[دروس وفتاوى من الحرمين الشريفين للشيخ ابن عثيمين (13/8-11)].


هل انتفعت بهذه الإجابة؟