الأربعاء 23 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 23-03-2020

هل العمل بالأسباب ينافي التوكل؟

الجواب
الواجب على المؤمن أن يعلق قلبه على الله -عز وجل- وأن يصدق الاعتماد عليه في جلب المنافع ودفع المضار فإن الله وحده هو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله كما قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾[هود: 123]. وقال موسى لقومه: ﴿يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ * فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾[يونس: 84- 86]. وقال الله تعالى: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾[التوبة: 51]. وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾[الطلاق: 3]. فالواجب على المؤمن أن يعتمد على ربه رب السماوات والأرض ويحسن الظن به.
ولكن يفعل الأسباب الشرعية والقدرية الحسية التي أمر الله تعالى بها؛ لأن أخذ الأسباب الجالبة للخير المانعة من الشر من الإيمان بالله تعالى وحكمته ولا تنافي التوكل، فها هو سيد المتوكلين محمد، رسول الله-صلى الله عليه وسلم- كان يتخذ الأسباب الشرعية والقدرية فكان يعوذ نفسه عند النوم بالإخلاص والمعوذتين، وكان يلبس الدروع في الحروب، وخندق على المدينة حين اجتمع أحزاب الشرك حولها حماية لها، وقد جعل الله تعالى ما يتقي به العبد شرور الحروب من نعمه التي يستحق الشكر عليها فقال عن نبيه داود: ﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ﴾[الأنبياء: 80]. وأمر الله داود أن يجيد صنعها ويجعلها سابغة لأنها تكون أقوى في التحصين.
وعلى هذا فإن أهل البلاد القريبة من مواقع الحرب التي يخشى أن يصيبها من آثاره ليس عليهم حرج في الاحتياط باستعمال الكمامات المانعة من تسرب الغازات المهلكة إلى أبدانهم، والتحصينات المانعة من تسربه إلى بيوتهم؛ لأن هذا من الأسباب الواقية من الشر المحصنة من البأس، ولا حرج عليهم أن يدخروا لأنفسهم من الأطعمة وغيرها ما يخافون أن يحتاجوا إليه فلا يجدوه، وكلما قويت الخشية من ذلك كان طلب الاحتياط أقوى. ولكن يجب أن يكون اعتمادهم على الله -عز وجل- فيستعملوا هذه الأسباب بمقتضى شرع الله وحكمته على أنها أسباب أذن الله لهم فيها لا على أنها الأصل في جلب المنافع ودفع المضار، وأن يشكروا الله تعالى حيث يسر لهم مثل هذه الأسباب وأذن لهم بها.
والله أسأل أن يقينا جميعا أسباب الفتن والهلاك، وأن يحقق لنا ولإخواننا قوة الإيمان به والتوكل عليه والأخذ بالأسباب التي أذن بها على الوجه الذي يرضى به عنا إنه جواد كريم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
المصدر:
مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين(1/101-103)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟